للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهناك نوع آخر من الرواية عرفته تلك الفترة، فكان التلميذ يأتى بالنصوص أو الصحف أو الكتب إلى شيخ بهدف روايتها باسمه دون أن يكون قد سمع مضمونها منه أو قرأه عليه وهذا ما سمّى «بالكتابة»، وقد استخدمت هذه الطريقة فى القرن الثانى الهجرى فى عدة صور صنّفت إلى: «المكاتبة» و «الوصية» و «المناولة» و «الإجازة» وكانت الطريقة التى عرفت فيما بعد باسم «الوجادة» معتادة فى الفترة الأولى. فقد رويت كتب وأجزاء منها دون أن تكون هناك أية إجازة بروايتها. ويبدو أنه لم يكن هناك فى القرن الأول الهجرى اتفاق حول جواز قبول هذه الطريقة. وقد اتّهم التابعى مجاهد (المتوفى ١٠٤ هـ/ ٧٢٢ م) بأنه «كان يحدّث عن صحيفة (الصحابى) جابر بن عبد الله» مستخدما هذه الطريقة. (١٧) وكان بعض أبناء الصحابة كذلك يروون الكتب التى ورثوها عن آبائهم على هذا النحو، فكان لهم أن يقولوا «وجدت فى كتاب آبائى» أو «وجدت فى كتاب أبى». (١٨) ويبدو أن اتفاق العلماء على جواز «الكتابة» لم يكن أحسن حالا. فقد جرّح التابعى سعيد بن جبير (المتوفى ٩٥ هـ/ ٧١٤ م) هذه الطريقة ولم يجزها (١٩)، أما الزّهرى (المتوفى ١٢٤ هـ/ ٧٤٢ م) / فقد رأى نفسه مضطرا إلى الاعتراف بها. (٢٠) وكانت دوائر الفقهاء تتخرّج بصفة عامة من نصّ أو دليل ورد بهذه الطريقة.

وفى معرض حديثنا عن الزهرى سنغتنم الفرصة لنشرح بالتفصيل أن جولدتسيهر قد أخطأ فى فهم عبارة الزهرى: «كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء فرأينا ألّا نمنعه أحدا من المسلمين» (٢١)، وذلك لأنه فهم منها أن الزهرى إنما أراد بهذا أن يمكّن للحكام الأمويين تقديم مادة عقيدية وسيلة تخدم مصالح أسرتهم الحاكمة. (٢٢) ويبدو أن الإشارة إلى هذا النوع من الرواية لم يظهر بمصطلح من مصطلحات


(١٧) الطبقات لابن سعد (بيروت) ٥/ ٤٦٧.
(١٨) نفس المرجع ١/ ٧٠، ٣٢١، الإصابة ٢/ ١٦٢.
(١٩) نفس المرجع ٦/ ٢٥٨.
(٢٠) نفس المرجع (طبعة أوربا) ٢/ ٢/ ١٣٥.
(٢١) انظر: طبقات ابن سعد ٢/ ١٣٥، حلية الأولياء لأبى نعيم ٣/ ٣٦٣.
(٢٢) انظر: جولدتسيهر، دراسات إسلامية Goldziher ,Muh.Stud.II ,٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>