للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يذكر لنا أن أحد تلامذة ابن عباس وهو كريب بن أبى مسلم (المتوفى ٩٧ هـ/ ٧١٥ م) كان قد حفظ لديه حمل بعير من مؤلفات أستاذه. وكان على بن عبد الله بن العباس (المتوفى ١١٨ هـ/ ٧٣٦ م) يكتب إلى موسى بن عقبة من وقت لآخر راجيا أن يرسل إليه «صحيفة» ما لينسخها، وكان الابن ينسخها ثم يعيدها إليه (٥٤). وليس ثمة ما يمنع إذن من قبول الفرض القائل بأن ابن العباس قد كتب بنفسه تفسيره- الذى ذكره المؤلفون- كثيرا- ورواه عنه فيما بعد على بن أبى طلحة. أما الاعتراض بأن على بن أبى طلحة لم يأخذ هذا التفسير سماعا عن ابن عباس، فلا يطعن فى ضوء معلوماتنا الحديثة فى أصالة هذا الكتاب، وإنما يشير إلى عدم معرفة بعلم أصول الحديث. أما النقد الموجه إلى ابن أبى طلحة فى كتب الحديث فمرجعه أن الإسناد عنده ليس متصلا. ونحن- بعد ذلك- على ثقة من أن تفسير ابن عباس قد بقى- بأجمعه- عند الطبرى (٥٥) وهناك شروح أخرى لا تحصى ترجع إلى ابن عباس، ويبدو أنها مأخوذة من كتب تلاميذه التى أنجزت تارة أثناء مجالس العلم العامة، وتارة فى مجالسه الخاصة أو فى مناقشاته. على أنّ الاختلافات، بل حتى أحيانا التناقضات بين هذه التفسيرات يمكن أن تفسر إلى حدّ ما كنتيجة للتطور الذى طرأ على فكر ابن العباس وعلى فكر تلاميذه الذين كانوا يتوجهون إليه دائما بأسئلة ثم يؤلفون بعد ذلك كتبهم فى التفسير. ويتضح من النصوص أن التفسير القرآنى قد تطور فى هذه الفترة تطورا قويا وسريعا. وفضلا عن هذا فلدينا انطباع أن ابن عباس وتلاميذه لم يكن بإمكانهم أن يتجنبوا التفسير الحر للقرآن الكريم فى وقت تطور فيه تفسير القرآن تطورا سريعا، وكثيرا ما أدخل هؤلاء مبدأ «الرأى» وطبقوه فى مجال التفسير.

ودفع الحرص على تفسير القرآن أيضا عبد الله بن العباس وبعض تلاميذه إلى علماء النصارى واليهود من أهل الكتاب (٥٦). أما مجاهد (المتوفى ١٠٤ هـ/ ٧٢٢ م) وهو أحد تلاميذ ابن عباس المقربين إليه فقد انطلق فى التفسير الحر إلى مدى بعيد، بحيث إننا نجد عنده بدايات التأويل المجازى بعبارات المشبهة، وهو موضوع عنى به المعتزلة فيما بعد عناية شاملة (٥٧).


(٥٤) انظر: طبقات ابن سعد ٥/ ٢١٦، ٥/ ٢٩٣ والتهذيب لابن حجر ٨/ ٤٣٣.
(٥٥) انظر: جولدتسيهر: اتجاهات التفسير القرآنى goldziher ,richtungen ,٧٨
(٥٦) المرجع السابق Goldziher ,Richtungen ٦٧ - ٦٨ ٦٨ - ٦٧
(٥٧) المرجع السابق لجولد تسهير ١٠٧ - ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>