للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ممكِنٌ كإمكانِ اللَّحم والشَّحم، ولا فرقَ بين الجِلْدِ واللَّحم في قياسٍ ولا نظرٍ ولا معقول؛ لأنّ الدَّمَ جارٍ (١) في الجلدِ كما هو جارٍ في اللَّحم. وإن قال: إنّ الجلدَ يموتُ بموتِ الشاةِ كما يموتُ اللحمُ. قيل له: فاللهُ عزَّ وجلَّ قد حَرَّم الميْتةَ، وتَحريمُه على الإطلاقِ إلّا أن يَخُصَّ شيئًا من ذلك دليل، وقد خَصَّ الجلدَ بعد الدِّباغ، والأصلُ في الميْتةِ عمومُ التحريم، ولم يُخَصَّ إهابُها بشيءٍ يَصِحُّ وَيثْبُتُ إلّا بعدَ الدِّباغ، ألا ترَى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ذكاةُ الأديم طَهورُه"؟ وقوله عليه السلام: "دِباغُه أذْهَب خَبَثَه ونَجَسَه". وفي هذا دليلٌ بَيِّن على أنّه قبلَ الدِّباغ رِجْسٌ نَجِسٌ غيرُ طاهرٍ، وما كان كذلك لم يَجُزْ بَيْعُه ولا شِراؤُه، والأمرُ في هذا واضحٌ، وعليه فقهاءُ الحجاز، والعراق، والشام، ولا أعلمُ فيه خلافًا إلّا ما قد بيّنّا ذِكرَه عن ابن شهابٍ، واللَّيثِ (٢)، وروايةً شاذّةً عن مالكٍ.

وفي هذه المسألة قولٌ ثالثٌ قالت به طائفةٌ من أهل الأثَرِ، وذَهب إليه أحمدُ بن حنبل (٣)، وهو في الشُّذوذِ قريبٌ من القولِ الأوّل، وذلك أنّهم ذهَبوا إلى تحريم الجلدِ وتَحرِيم الانتفاع به قبلَ الدِّباغ وبعدَه.

واحتَجُّوا من الأثَرِ بما حدَّثناه أبو محمدٍ عبدُ الله بن محمدِ بن عبد المؤمن، قال: حدَّثنا محمدُ بن بكرِ بن داسَةَ، قال: حدَّثنا أبو داودَ سليمانُ بن الأشعثِ، قال (٤):


(١) "جار" لم ترد في ق.
(٢) ينظر ما سلف.
(٣) ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه أبي الفضل صالح ٣/ ٩٦ (٦٤١٧)، والكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل ١/ ٤٨، والمغني لابن قدامة ١/ ٤٩، ٥٠.
(٤) في السنن برقم (٤١٢٧)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى ١/ ١٤ (٤٢) من طريق أبي بكر بن داسة عن أبي داود، به.
وأخرجه ابن المنذر في الأوسط ٢/ ٣٩٢ (٨٤٦) من طريق حفص بن عمر أبي عمر الحوضي، به.
وأخرجه أحمد في المسند ٣١/ ٧٤ - ٧٥ (١٨٧٨٠)، وابن ماجة (٣٦١٣)، والنسائي في المجتبى (٤٢٤٩)، وفي الكبرى ٤/ ٣٨٤ (٤٥٦١)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار ٢/ ٨٢٦ (١٢٢٥)، =

<<  <  ج: ص:  >  >>