للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(والثاني) أن يكون الاستقراض من أجل الوفاء بالتزام ثابت على بيت المال، وهو ما يصير بتأخيره دينًا لازمًا عليه. وما ليس كذلك لا يستقرض له. قال القاضي أبو يعلى: "لو اجتمع على بيت المال حقَّان ضاق عنهما واتسع لأحدهما، صرف فيما يصير منهما دينًا فيه. ولو ضاق عن كل واحد منهما، كان لوليِّ الأمر إذا خاف الضرر والفساد أن يقترض على بيت المال ما يصرفه في الديون (١) دون الإرفاق (٢) ، وكان من حدث بعده من الولاة مأخوذًا بقضائه إذا اتسع له بيت المال " (٣) .

(والثالث) أن يعيد الإمام إلى بيت المال كل ما اقتطعه منه لنفسه وعياله وذويه بغير حقٍّ وما وضعوه في حرام، وتبقى الحاجة إلى الاستقراض قائمة. قال التاج السبكي: لما عزم السلطان قطز على المسير من مصر لمحاربة التتار، وقد دهموا البلاد، جمع العساكر، فضاقت يده عن نفقاتهم، فاستفتى الإمام العز بن عبد السلام في أن يقترض من أموال التجار. فقال له العزُّ: إذا أحضرت ما عندك وعند حريمك، وأحضر الأمر ما عندهم من الحلي الحرام اتخاذه، وضربته سكة ونقدًا، وفرقته في الجيش ولم يقم بكفايتهم ذلك الوقت اطلب القرض، وأما قبل ذلك فلا (٤) .

٥ – هذا ما يتعلق باستقراض الإمام على بيت المال للمصلحة العامة. أما استقراضه عليه لغير ذلك من مصالح بعض الأفراد الذين تجب مؤنتهم على بيت المال عند عدم وفائه بذلك، فقد نصَّ الحنابلة والشافعية في باب اللقيط على وجب النفقة عليه من بيت المال إذا لم يوجد له مال، فإن تعذر أخذ نفقته من بيت المال – بأن لم يكن في بيت المال شيء أو كان ما هو أهم منه – اقترض الحاكم على بيت المال مقدار نفقته (٥) .


(١) لأن استحقاقها غير معتبر بالوجود والتوفر في بيت المال، لأنها من الحقوق اللازمة مع الوجود والعدم فيه. (الأحكام السلطانية، لأبي يعلى: ص٢٥٢) .
(٢) لأن استحقاقها معتبر بالوجود في بيت المال دون العدم، فإن كان مصرفها موجودًا في بيت المال وجب فيه وسقط فرضه عن المسلمين، وإن كان معدومًا سقط وجوبها عن بيت المال. (الأحكام السلطانية، لأبي يعلى: ص٢٥٣) .
(٣) الأحكام السلطانية، لأبي يعلى: ص٢٥٣؛ وانظر الأحكام السلطانية للماوردي: ص٢١٥ (طبعة مصطفى الحلبي) ؛ وتحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، لابن جماعة (طبعة قطر) : ص١٥٠، ١٥١.
(٤) طبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي: ٨/٢١٥؛ وانظر طبقات المفسرين، للداوودي:١/٣١٦.
(٥) تحفة المحتاج: ٦/٣٤٨؛ وكشاف القناع: ٤/٢٥٢؛ وشرح منتهى الإرادات: ٢/٤٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>