للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحور الثاني

(بين صلح الحطيطة وحسم الكمبيالة)

٧ – لقد اختلف الفقهاء فيما إذا كان للرجل دين مؤجل على آخر، فأراد أن يضع عن المدين بعضه على أن يعجل له الباقي، فهل يجوز لهما الاتفاق على ذلك؟ وتسمى هذه المسألة عندهم بـ " ضع وتعجل "، وتصنف تحت عنوان " صلح الإسقاط " أو " صلح الإبراء " أو " صلح الحطيطة "، ولهم فيها ثلاثة أقوال:

(أحدها) للشافعية والمالكية، وهو أن ذلك لا يجوز (١) . واستدلوا على ذلك بما روى البيهقي عن المقداد بن الأسود قال: " أسلفت رجلًا مائة دينار، ثم خرج سهمي في بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت له: عجل تسعين دينارًا، وأحطُّ عشرة دنانير. فقال: نعم. فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أكلت ربا يا مقداد، وأطعمته " (٢) . وبما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عن الرجل يكون له الدين على رجل إلى أجل، فيضع عنه صاحبه، ويعجل له الآخر. فكره ذلك ابن عمر، ونهى عنه. ومثل ذلك روي عن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهما (٣) .

وعلل الشافعية عدم الصحة " بأنه ترك بعض المقدار ليحصل الحلول في الباقي والصفة بانفرادها لا تقابل بعوض، ولأن صفة الحلول لا يصح إلحاقها بالمؤجل، وإذا لم يحصل ما ترك من القدر لأجله، لم يصح الترك " (٤) . ووجه المنع عند المالكية: " أن من عجل ما أجل يعد مسلفًا، فقد أسلف الآن خمسمائة ليقتضي عند الأجل ألفًا من نفسه " (٥) .

وبيان ذلك: أنه إذا تعجل البعض وأسقط الباقي، فقد باع الأجل بالقدر الذي أسقطه، وذلك عين الربا، كما لو باع الأجل بالقدر الذي يزيده إذا حل عليه الدين، فقال: زدني في الدين وأزيدك في المدة، فأي فرق بين أن تقول: حط من الأجل، وأحط من الدين، أو تقول: زد في الأجل وأزيد في الدين؟ قالوا: فنقص الأجل في مقابلة نقص العوض، كزيادته في مقابلة زيادته، فكما أن هذا ربا، فكذلك الآخر (٦) .


(١) روضة الطالبين: ٤/١٩٦؛ ونهاية المحتاج: ٤/٣٧٤؛ وأسنى المطالب: ٢/٢١٦؛ وشرح الخرشي: ٦/٣؛ والبهجة شرح التحفة: ١/٢٢١؛ والزرقاني على خليل: ٦/٣؛ والتاودي على التحفة: ١/٢٢١.
(٢) السنن الكبرى، للبيهقي: ٦/٢٨ وهو حديث ضعيف كما ذكر العلَّامة ابن القيم في الإغاثة: ٢/١٢.
(٣) إغاثة اللهفان، لابن القيم: ٢/١٢.
(٤) أسنى المطالب: ٢/٢١٦.
(٥) البهجة للتسولي: ١/٢٢١.
(٦) إغاثة اللهفان، لابن القيم: ٢/١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>