للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(والثالث) رواية عن الإمام أحمد، حكاها ابن أبي موسى وغيره، وهو جواز ذلك (١) . وهو قول ابن عباس وإبراهيم النخعي، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية (٢) .

واحتج هؤلاء بما روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج بني النضير من المدينة، جاءه ناس منهم فقالوا: يا رسول الله، إنك أمرت بإخراجهم، ولهم على الناس ديون لم تحل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ضعوا وتعجلوا)) . قال الحاكم: صحيح الإسناد (٣) .

قالوا: وهذا ضد الربا، فإن ذلك يتضمن الزيادة في الأجل والدين، وذلك إضرار محض بالغريم، ومسألتنا تتضمن براءة ذمة الغريم من الدين، وانتفاع صاحبه بما يتعجله، فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ضرر، بخلاف الربا المجمع عليه، فإن ضرره لا حق بالمدين، ونفعه مختص برب الدين، فهذا ضد الربا صورة ومعنى (٤) .

وفي " إعلام الموقعين " لابن القيم: " لأن هذا عكس الربا، فإن الربا يضمن الزيادة في أحد العوضين في مقابلة الأجل، وهذا يتضمن براءة ذمته من بعض العوض في مقابلة سقوط الأجل، فسقط بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الأجل، فانتفع به كل واحد منهما، ولم يكن هنا ربا لا حقيقة ولا لغة ولا عرفًا، فإن الربا الزيادة، وهي منتفية ههنا، والذين حرموا ذلك إنما قاسوه على الربا، ولا يخفى الفرق الواضح بين قوله: " إما أن تربي وإما أن تقضي " وبين قوله: " عجل لي وأهب لك مائة " فأين أحدهما من الآخر، فلا نص في تحريم ذلك ولا إجماع ولا قياس صحيح " (٥) .


(١) المبدع: ٣/٢٨٠؛ وإغاثة اللهفان: ٢/١١.
(٢) الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية: ص ١٣٤؛ وإعلام الموقعين: ٣/٣٧١؛ وأحكام القرآن، للجصاص: ٢/١٨٦ (طبعة مصر بعناية محمد الصادق قمحاوي) .
(٣) وقد علق ابن القيم على تصحيح الحاكم هذا، فقال: قلت هو على شرط السنن، وقد ضعفه البيهقي، ورجال إسناده ثقات، وإنما ضعف بمسلم بن خالد الزنجي، وهو ثقة فقيه، روى عنه الشافعي واحتج به. (إغاثة اللهفان: ٢/١٣؛ وسنن البيهقي: ٦/٢٨) .
(٤) إغاثة اللهفان: ٢/١٣.
(٥) إعلام الموقعين: ٣/٣٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>