للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١- الجزم بأحد الثمنين شرط للجواز:

قد تبين فيما سبق أنه لا بأس للبائع أن يذكر الأثمان المختلفة عند المساومة، فيقول: أبيعه نقدًا بثمانية، ونسيئة بعشرة، وهل يجوز أن يذكر أثمانًا مختلفة باختلاف الآجال، مثل أن يقول: أبيعه إلى شهر بعشرة، وإلى شهرين باثني عشر مثلًا؟ لم أَرَ في ذلك تصريحًا من الفقهاء، وقياس قولهم السابق أن يجوز ذلك أيضًا؛ لأنه إذا جاز اختلاف الأثمان على أساس كونها نقدًا أو نسيئة، جاز اختلافها على أساس آجال مختلفة، لأنه لا فارق بين الصورتين.

ولكن اختلاف الأثمان هذا إنما يجيز ذكرها عند المساومة، وأما عقد البيع فلا يصح، إلا إذا اتفق الفريقان على أجل معلوم وثمن معلوم، فلا بُدَّ من الجزم بأحد الشقوق المذكورة في المساومة.

فلو قال البائع مثلًا: إن أديت الثمن بعد شهر، فالبضاعة بعشرة، وإن أديته بعد شهرين، فهو باثني عشر، وإن أديته بعد ثلاثة أشهر، فهو بأربعة عشر، وافترقا على ذلك بدون تعيين أحد هذه الشقوق، زعمًا من المشتري أنه سوف يختار منها ما يلائمه في المستقبل، فإن هذا البيع حرام بالإجماع. ويجب على العاقدين أن يعقداه من جديد بتعيين أحد الشقوق واضحًا.

٢ – إنما الجائز زيادة في الثمن، لا تقاضي الفائدة:

ومما يجب التنبيه عليه هنا: أن ما ذكر من جواز هذا البيع إنما هو منصرف إلى زيادة في الثمن نفسه، أما ما يفعله بعض الناس من تحديد ثمن البضاعة على أساس سعر النقد، وذكر القدر الزائد على أساس أنه جزء من فوائد التأخير في الأداء، فإنه ربا صراح، وهذا مثل أن يقول البائع: بعتك هذه البضاعة بثماني ربيات نقدًا، فإن تأخرت في الأداء إلى مدة شهر، فعليك ربيتان علاوة على الثمانية، سواء سماها "فائدة " (Interest) أو لا، فإنه لا شك في كونه معاملة ربوية، لأن ثمن البضاعة إنما تقرر كونه ثمانية، وصارت هذه الثمانية دينًا في ذمة المشتري، فما يتقاضى عليه البائع من الزيادة فإنه ربا لا غير.

والفرق العملي بين الصورتين، أن ما تصور كونه ثمنًا في الصورة الأولى، صار ثمنًا باتًّا بعد جزم الفريقين بأحد الشقوق، ولا يزيد هذا الثمن بعد تمام البيع ولا ينقص باختلاف أحوال المشتري في الأداء فلو كان المشتري اشترى البضاعة بعشرة على أنه سيؤدي الثمن بعد شهر، ولكنه لم يتمكن من الأداء إلا بعد شهرين، فإن الثمن يبقى عشرة كما هو، ولا يزيد بزيادة مدة الأداء الفعلي، وأما في الصورة الثانية، فالثمن ثمانية، وما يزيد عليه فائدة تطالب من أجل التأخير في الأداء، فلا تزال تزيد الفائدة كلما يطول التأخير، فتصير ربيتين في شهر، وأربع ربيات في شهرين، وهكذا، فالصورة الأولى نوع من أنواع البيع الحلال، والصورة الثانية داخلة في الربا المحرم شرعًا.

٣- توثيق الدين وأنواعه:

وبما أن الثمن في البيع المؤجل يصير دينًا على المشتري فور تمام العقد، فإنه يجوز للبائع أن يطالبه بتوثيق لهذا الدين، أو بضمان للتسديد عند حلول الأجل.

الرهن:

أما ضمان التسديد، فيمكن بطريق الرهن، أو بكفالة من الطرف الثالث، وفى الصورة الأولى يرهن المشتري شيئًا من ممتلكاته لدى البائع، ويحق للبائع أن يمسكه كضمان للتسديد، بدون أن ينتفع به في صورة من الصور، لأن الانتفاع بالمرهون شعبة من شعب الربا، ولكن يبقى الشىء المرهون بيد البائع لضغط المشتري على الاهتمام بأداء الأقساط في موعدها، وليحق له إذا قصر المشتري في الأداء عند حلول الأجل، أن يبيع الشيء المرهون ويسدد دينه بذلك، ولكن لا يجوز له أن يتجاوز عن الثمن المتفق عليه في العقد، فإن فضل من قيمة الشيء المرهون شيء بعد تسديد الدين رده إلى المشتري الراهن، وكما يجوز رهن الأعيان المملوكة للمشتري كذلك يجوز رهن مستندات الملكية لتلك الأعيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>