وربما يقع توثيق الدين بتوقيع المشتري على وثيقة مكتوبة يعترف بها بكونه مديونًا للبائع بمبلغ مسمى إلى أجل مسمى. ويلتزم بأداء مبلغها في تاريخ معين، وتسمى هذه الوثيقة المكتوبة في العرف المعاصر " كمبيالة " (Bill of Exchange) وإن التاريخ الذي يلزم فيه الأداء يسمى " تاريخ نُضْج الكمبيالة " (Maturity date) .
وإن توثيق الدين بالكمبيالة جائز شرعًا، بل هو مندوب بمقتضى قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}[البقرة: ٢٨٢] .
ولكن المشكلة إنما تحدث من جهة أن الكمبيالة قد أصبحت اليوم آلة قابلة للتداول (Negotiable Instrument) وإن حامل الكمبيالة، وهو الدائن الأصيل ربما يبيعها إلى طرف ثالث بأقل من المبلغ المكتوب عليها، طمعًا في استعجال الحصول على المبلغ قبل حلول الأجل. وإن هذا البيع يسمى " خصم الكمبيالة " (Discounting of the Bill) فكلما أراد حامل الكمبيالة أن يتعجل في قبض مبلغها، ذهب إلى شخص ثالث، وهو البنك في عموم الأحوال، وعرض عليه الكمبيالة، والبنك يقبلها بعد التظهير (١) (Endorsement) من الحامل، ويعطى مبلغ الكمبيالة نقدًا بخصم نسبة مئوية منها.
وإن خصم الكمبيالة بهذا الشكل غير جائز شرعًا، إما لكونه بيع الدين من غير من عليه الدين، أو لأنه من قبيل بيع النقود بالنقود متفاضلة ومؤجلة، وحرمته منصوصة في أحاديث ربا الفضل.
ولكن هذه المعاملة يمكن تصحيحها بتغيير طريقها وذلك أن يوكل صاحب الكمبيالة البنك باستيفاء دينه من المشتري (وهو مصدر الكمبيالة) ويدفع إليه أجرة على ذلك، ثم يستقرض منه مبلغ الكمبيالة، ويأذن له أن يستوفي هذا القرض مِمَّا يقبض من المشتري بعد نضج الكمبيالة، فتكون هناك معاملتان مستقلتان: الأولى معاملة التوكيل باستيفاء الدين بالأجرة المعينة، والثانية: معاملة الاستقراض من البنك، والإذن باستيفاء القرض من الدين المَرْجُو حصوله بَعْد نُضج الكمبيالة، فتصح كلتا المعاملتين على أُسس شرعية، أما الأولى، فلكونها توكيلًا بالأجرة، وذلك جائز، وَأَمَّا الثَّانِية، فَلِكَوْنِهَا اسْتِقْرَاضًا من غير شرط زيادة، وهو جائز أيضًا.
(١) التظهير: هو التوقيع على ظهر الوثيقة، ويعتبر دليلًا على أن صاحبها قد تنازل عن مبلغها لغيره.