للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إسقاط بعض الدين مقابل التعجيل

ومما يتعامل به بعض التجار في الدين المؤجلة أنهم يسقطون حصة من الدين بشرط أن يعجل المدين الباقي، مثل أن يكون لزيد على عمرو ألف، فيقول زيد: عجل لي تسعمائة، وأنا أضع عنك مائة، وإن هذه المعاملة معروفة في الفقه الإسلامي باسم " ضَعْ وتَعَجَّلْ ".

وقد اختلف الفقهاء في حكمها، فذهب عبد الله بن عباس رضي الله عنه من الصحابة وإبراهيم النخعي من التابعين وزفر بن الهذيل من الحنفية، وأبو ثور من الشافعية إلى جوازه، وروي عن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت من الصحابة رضي الله عنهم وعن محمد بن سيرين والحسن البصري، وابن المسيب، والحكم بن عتيبة، والشعبي رحمهم الله من التابعين عدم جواز ذلك (١) ، وهو المروي عن الأئمة الأربعة.

وهناك حديثان مرفوعان متعارضان، وفي إِسْنَاد كل واحد منهما ضعف:

أما الحديث الأول، فقد أخرجه البيهقي بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: " لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج بني النضير من المدينة جاء ناس منهم، فقالوا: يا رسول الله, إنك أمرت بإخراجهم ولهم على الناس ديون لم تحل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا " (٢) .

وهذا الحديث يدل على الجواز، ويعارضه ما أخرجه البيهقي في الباب اللاحق عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: " أسلفت رجلًا مائة دينار، ثم خرج سهمي في بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: عَجِّلْ لي تسعين دينارًا، وَأَحُطُّ عشرة دنانير، فقال: نعم، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أكلت ربا يا مقداد وأطعمته " (٣) .

وقد صرَّح البيهقي رحمه الله تعالى، بأن كل واحد من الحديثين ضعيف من جهة الإسناد، فلا تقوم بأي منهما حجة. ورجع جمهور الفقهاء جانب الحرمة، لأن زيادة الدين في مقابلة التأجيل ربًا صراح، فكذلك الحَطُّ من الدين بإزاء التعجيل في معناه.

أما قصة بني النضير، فليس فيها حجة، أما أولًا: فلأن إسنادها ضعيف، وأما ثانيًا، فلأنه لو ثبتت هذه القصة من جهة الإسناد، فيمكن أن يقال: إن قصة إجلاء بني النضير وقعت في السنة الثانية من الهجرة، وذلك قبل نزول حرمة الربا.

وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله هذه القصة واستدل بها على أنه لا ربا بين المسلم والحربي، قال رحمه الله تعالى:

(ولما أجلي بين النضير قالوا: إن لنا ديونًا على الناس، فقال: ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا، ومعلوم أن مثل هذه المعاملة لا يجوز بين المسلمين، فإن من كان له على غيره دين إلى أجل، فوضع عنه بعضه بشرط أن يعجل بعضه لم يجز، كره ذلك عمر، وزيد بن ثابت، وابن عمر (رضي الله عنهم) (٤) .


(١) راجع آثارهم في موطأ الإمام مالك: ١/٦٠٦؛ ومصنف عبد الرازق: ٨/٧٤٧١.
(٢) السنن الكبري للبيهقي: ٦/٢٨، كتاب البيوع، باب من عجل له أدنى من حقه.
(٣) السنن الكبرى، للبيهقي: ٦/٣٨.
(٤) شرح السير الكبير، للسرخسي: ٤/١٤١٢، فقرة ٢٧٣٨، وذكر هذه المسألة مرة ثانية في: ٤/٤١٩٤، فقرة ٢٩٢١، بتحقيق صلاح الدين المنجد، طبع باكستان ١٤١٥ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>