للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحاصل هذا الجواب أن المسلمين كانوا في حالة الحرب مع بني النضير، فكان يجوز لهم أن يقبضوا على جميع أموالهم في تلك الحالة فلو استوضعوا عنهم بعض الديون، جاز من باب أولى.

والوجه الرابع في الاعتذار عن قصة بني النضير أن اليهود كانوا يداينون الناس على أساس الربا، والذي أمر رسول الله عليه وسلم بوضعه، هو الربا الزائد على رأس المال، ولم يأمرهم بالوضع في رأس المال نفسه، ويؤيده أن الواقدي ذكر هذه القصة في سيره، فقال:

(فأجلاهم –أي بني النضير – رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، وَوَلِيَ إخراجهم محمد بن مسلمة، فقالوا: إن لنا ديونًا على الناس إلى آجال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تَعَجَّلُوا وَضَعُوا)) ، فكان لأبي رافع سلام بن أبي الحقيق على أسيد بن حضير عشرون ومائة دينار إلى سنة، فصالحه على أخذ رأس ماله ثمانين دينارًا، وأبطل ما فضل (١) .

فهذه الرواية صريحة في أن الموضوع كان هو الربا، لا حصة من رأس المال، ومن هنا ذهب جمهور العلماء إلى القول بتحريم " ضع وتعجل " فقال الإمام مالك رحمه الله بعد رواية آثار زيد بن ثابت وابن عمر رضي الله عنهم:

(قال مالك: والأمر المكروه الذي لا اختلاف فيه عندنا أن يكون للرجل على الرجل الدين إلى أجل، فيضع عنه الطالب، ويعجله المطلوب، قال مالك: وذلك عندنا أن يكون للرجل على الرجل الدين إلى أجل، فيضع عنه الطالب ويعجله المطلوب في حقه، قال: هذا الربا بعينه لا شك فيه) (٢) .

وقال الإمام محمد في موطئه بعد رواية أثر زيد بن ثابت رضي الله عنه:

(قال محمد: وبهذا نأخذ، من وجب له دين على إنسان إلى أجل، فسأل أن يضع عنه، ويعجل له ما بقي، لم ينبغ ذلك، لأنه يعجل قليلًا بكثير دينًا، فكأن يبيع قليلًا نقدًا، بكثير دينًا وهو قول عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر. وهو قول أبي حنيفة (٣) .


(١) مغازي الواقدي:١/٣٧٤؛ وذكر الواقدي أن مثل هذه القصة وقعت عند إجلاء بني قينقاع أيضًا، يراجع: ١/١٧٩.
(٢) الموطأ، للإمام مالك، بيوع، ما جاء في الربا في الدين: ١/٦٠٦، طبع كراتشي.
(٣) الموطأ، للإمام محمد: ١/٣٣٢، باب الرجل يبيع المتاع أو غيره نسيئة، ثم يقول: أنقدني وأضع عنك.

<<  <  ج: ص:  >  >>