للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولًا: ما تقدم نقله عن القرطبي والجصاص وموافقيهما من قوله تعالى {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} (١) .

فإن معناه عندهم إن توفرت الطمأنينة بينكم وائتمن بعضكم بعضًا من غير توثيق، فعلى المؤتمن أن يؤدي أمانته التي في عهدته، وإلَّا يتحتم التوثيق الكتابي أو غيره، فإن فرضنا أن الآية نزلت مفرقة كما هو أحد الاحتمالين، فالوجوب المستفاد من أولها منسوخ بآخرها، فلا تفيد حينئذ أكثر. من الندب. ويؤيد هذا الفهم عندهم ما روي عن أبي سعيد الخدري ووافقه عليه آخرون أنه قال: " صار الأمر إلى الأمانة " ثم تلا قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} الآية.

وإن فرضنا أن الآية نزلت دفعة واحدة فقد بين آخرها أولها من أول الأمر بأنه للندب (٢) .

ثانيًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من أعرابي فرسًا فجحده الأعرابي حتى شهد له خزيمة ابن ثابت، وروي أنه صلى الله عليه وسلم اشترى من رجل سراويل. ولم ينقل أنه أشهد في شيء من ذلك.

ثالثًا: أن الصحابة كانوا يتبايعون في الأسواق، فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإشهاد، وأن التعامل بالدين مما يكثر، فلو كان الكتاب والإشهاد واجبًا لكان فيه أولًا حرج، والحرب منفي شرعًا بنص القرآن الكريم، يضاف إلى ذلك ما نقل إلينا من اتفاق كثير من السلف وفقهاء الأمصار أن ما أمرنا به في آية الدين من الكتاب والإشهاد والرهن، من قبيل الإرشاد إلى ما فيه الحظ والصلاح للدين والدنيا (٣) .

وذهب آخرون إلى القول بالوجوب ومنهم ابن جرير الطبري في تفسيره، والظاهرية، ومن الفقهاء المعاصرين الشيخ محمد عبده، واستدلوا بأربعة أدلة:


(١) سورة البقرة: الآية ٢٨٣.
(٢) انظر أحكام القرآن، للجصاص: ١/٤٨١.
(٣) انظر: أحكام القرآن، للجصاص: ١/٤٨٣؛ والمغني، لابن قدامة: ٤/٣١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>