ولكن الذي يبدو أن حكم المنع هذا، يعني حكم ضع وتعجل يختص بالديون المؤجلة، أما الديون الحالة التي لا يكون الأجل فيها مشروطًا في العقد، وإنما بتأخر المدين في الأداء لسبب أو آخر، فالظاهر أنه لا بأس بالصلح على إسقاط بعض الدين بشرط أن يؤدي المديون الدين المتبقي معجلًا، وهذا قد صرح به علماء المالكية، جاء في المدونة الكبرى: قلت أرأيت لو أن لي على رجل ألف درهم قد حلت، فقلت: أشهدوا إن أعطاني مائة درهم عند رأس الشهر، فتسعمائة درهم له، وإن لم يعطني فالألف كلها عليه، قال مالك: لا بأس بهذا، وقد صرح به علماء المالكية الآخرون أيضًا وقد نقلت عباراتهم.
ويبدو أن مذهب غيرهم من الفقهاء موافق لهم في ذلك، فإنهم حيث ذكروا حرمة ضع وتعجل، قيدوا ذلك بالديون المؤجلة، كما هو ظاهر من عبارة الإمام محمد بن حسن في موطأه ومن ترجمة الباب التي عقدها، كذلك قيد ابن قدامة هذه المسألة بالدين المؤجل.
ومما يجدر بالذكر هنا، أن عقد القرض الحسن لا يتأجل عند الحنفية والشافعية والحنابلة، ويتأجل عند المالكية فقط كما هو معروف لدى الفقهاء فعلى قول من يقول: إن القرض لا يتأجل بالتأجيل، يجوز ضع وتعجل في القروض، لأنها من الديون الحالة التي يجوز فيها ضع وتعجل، والأصل فيه حديث كعب بن مالك رضي الله عنه: أنه كان له على عبد الله بن حدرد الأسلمي رضي الله عنه دين، فلقيه فلزمه، فتكلما حتى ارتفعت الأصوات، فمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا كعب، وأشار بيده كأنه يقول: النصف، فأخذ نصف ما عليه وترك نصفًا.
وكذلك المنع من الوضع بالتعجيل في الديون المؤجلة إنما يكون إذا كان الوضع شرطًا للتعجيل، أما إذا عجل المديون من غير شرط، جاز للدائن أن يضع عنه بعض دينه تبرعًا.
ثم إن هنالك ناحية أخرى في هذه المسألة، تعرض لها فقهاء الحنفية، وهي ضع وتعجل، خصوصًا في عقود المرابحة المؤجلة، ما ذكرناه حتى الآن كان يتعلق بالبيوع المساومة يعني في البيوع المطلقة التي لا يعقدها البائع بطريق المرابحة، فيعقد البيع بدون ذكر قدر الربح الذي يريد أن يرابحه عليه، أما إذا كان البيع بطريقة المرابحة، وقد صرح فيه البائع بزيادة في الثمن من أجل الأجل، فقد أفتى بعض المتأخرين من الحنفية بأنه إذا قضى المديون الدين قبل حلول الأجل، أو مات قبله، فإن البائع لا يأخذ من الثمن إلا بمقدار ما مضى من الأيام، ويحط من دينه ما كان بإزاء المدة الباقية.