موضوع التقسيط كان بسيطًا فأصبح مبسوطًا، فالبيع بالتقسيط تعاملنا به من قبل قرار المجمع، وقرار المجمع واضح ونتعامل به في حياتنا اليومية باستمرار، ولكن يبدو لي أن الهوامش التي أثيرت على جانب هذا البيع المعتبر أكثر حاجة إلى التعليق من ذات العقد.
بيع التقسيط في فلسفته الاقتصادية من الناحية العقلية، والعقل عندما يكون مستنيرًا بنور الله يصل إلى عتبات الشرع ويلتقي مع الشرع. التقسيط هو: بيع زاد فيه هامش الربح باعتبار أن الثمن مؤجل بحيث أنه لو كان الثمن نقدًا فباستطاعة التاجر " البائع " بهذا الثمن المقبوض أن يشتري السلعة ويعيد بيعها مرات ومرات، فتأجيل الثمن أدى إلى زيادة هامش الربح، وهذا سعر مقابل سلعة، ولا حاجة لمزيد بعد ذلك، أما ربطه في موضوع خصم الكمبيالات فالأمر يختلف لأن الكمبيالة في تعريفها القانوني: تعهد المدين للدائن بدفع مبلغ معين في تاريخ محدد. فموضوعنا هنا نقد يشترى بقيته سواء قلنا بشراء الدين أو بإقراض مقابله بقيمة أقل فهو نقد بنقد ليس فيه مساواة مماثلة ولا يدًا بيد فخرج عن القبول الشرعي وأصبح من الربا، وهذا أيضًا أمر واضح، ولكن المؤسف أن موضوع بيع الدين فيه مداخل، يقال بيع الدين عنوان، فيقال: إن كل بيع جائز أن يجري عليه البيع {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ، ولكن ما هو الدين؟ الدين الذي يباع هو الدين الذي تنطبق عليه شروط البيع إطلاقًا، أما القول بالنقد بأنه يباع ليس لأنه من النقدين ذهبًا وفضة أو لأنه ليس مكيلًا أو موزونًا فإن هذا الرأي موجود في الفقه الحنفي قديمًا وفي فقه الإمامية أيضا بأن شرط تحقق الربا هو في المكيل والموزون والذهب والفضة باعتبارها من الموزونات، ولذلك قيل قديمًا حتَّى عند الحنفية إن المعدودات لا تعتبر من الربا، فلما ظهر النقد وأصبح يُعدُّ عدًّا ولا يوزن وزنًا ظهرت بعض الآراء تقول بأن الدينار أو الريال المعدود بالريالين ليس من الربا ونقض ذلك رأسًا باعتبار أن الأصل هو في موضوع النقود ليست شكلها وإنما معيار الثمنية فيها، وهذا ما أوضحه بشكل جلي مذهب الإمام مالك، وإن كان الرأي الضعيف، ولكن اعتبار الثمنية باصطلاح الناس، فهذا الورق الذي اصطلحوا عليه أن يحل محل الذهب والفضة هو معتبر، وهو كذلك رأي عند الإمام أحمد في مذهب الإمام أحمد.