فالذمة وهو وصف قدره الشارع حقيقي وهو ليس ذاتًا يقبل الالتزام يلتزم ويلزمه غيره، ولذلك لا يتعلق المعين المحدد ذات هذه القضية بالذمة ولكن يتعلق بها المحددات ولا تتعلق بها الكليات لأن الكليات اعتبارية، وعندما فهمت مما فهمت، فالكلي حسب ما يعرفه أهل صناعته هو ما لا يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه، ولما أخذت الكلي وقلت إن هذا هو مذهب أفلاطوني لأن أفلاطون هو الذي يرى أن الحقائق هي للكليات الذهنية وليست للجزئيات الواقعة في الخارج، ومذهبه تبين تساقطه وعدم صحته، وما استطاع العالم أن يتقدم إلا بعد أن تخلى عن قضية الكلي واعتنى بالجزئي واعتنى بالواقع الذي هو أساس الفلسفة الإسلامية من أنها فلسفة واقعية، لأن الكليات معروفة وهي الجنس والنوع والخاصة والفصل، وما تقع ذمة في الجنس والنوع والخاصة والفصل وإنما هي تقع في شيء محدد يضبطه الطرفان فيلزم به أحدهما الآخر.
الأمر الثاني، ونحن دائمًا وأبدًا مع الذمة لما كانت الوصف قام: يقبل الالتزام والإلزام وتترتب عليه أحكام شرعية، أي أن لإنسان إذا كانت في ذمته دين فهو ملزم بقضائه، وإذا لم يقضه فإنه قد وقع في حرام إذا كان موسرًا، فوجود الذمة هي يتبعها أحكام شرعية معروفة، فإذا قلنا إنها تتعلق بالميت فأنا لم أستطع أن أفهم كيف تكون الذمة وأن تكون للميت ذمة، وما وقع من قوله صلى الله عليه وسلم:" نفس المؤمن معلقة بدينه " ومن عدم صلاته صلى الله عليه وسلم على من كان عليه دين، هذه قضايا أخروية وليست هي قضايا دنيوية، ونحن نتحدث ها هنا في مجمعنا هذا عن القضايا وعن الحقوق ونظرة إلى الشرع الإسلامي لهذه الحقوق، أما الحديث المروي على ما فيه من صحة سنده " ليُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته " لم يرد فيما أعلم " ليُّ الواجد يحل عرضه وماله" فكلمة مال ما علمت وما وجدت، قد يكون موجودًا ولكن لا أعرفها. ثم ما وقع من قياس حرمان القاتل إلزام بالدفع على حرمان القاتل، القياس معروف أنواعه، فهذا لا يصير حتى من قياس الشبه، هو أبعد من قياس الشبه، وهو عودة إلى المناسب المرسل، والمناسب المرسل لابد أن يكون ظاهرًا منضبطًا، وها هنا ليس له ظهور ولا انضباط، ووقع حرمان القاتل، لأن الذي أعلم به الفقهاء: من استعجل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه، هذه علة من العلل، فإذا أخذنا أن هذه العلة هي التي تستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم:((القاتل لا يرث)) فهي ثابتة إذن هي العقوبة المالية، فأعتقد أن هذا القياس هو قياس، في نظري، غير مقبول شرعًا، وهو أن يقاس الإلزام بالدفع على حرمان القاتل من الميراث، شكرًا.