ومن ثم شاع عقد الاستصناع في جميع المجتمعات البشرية المتحضرة التي تتكون فيها المهن والاحتراف الذي يهدف إلى أداء خدمات وأعمال إلى الغير نحتاج إلى اختصاص كصنع الأحذية، وحياكة الثياب، والنقش على المعادن، والنجارة، وصنع الأواني، وغير ذلك لقاء عوض يتفق عليه، وظل عقد الاستصناع في النطاق الفردي الشخصي.
ظهر في هذا العصر ولا سيما من أول هذا القرن العشرين الميلادي مزيد من الحاجة إلى بعض حالات بيع المعدوم، كشراء مصنوعات يوصى عليها لدى بعض المصانع لا تتوافر فيها جاهزة لضخامة كمياتها، أو لمواصفاتها الخاصة.
مثل هذا التوصيات الشرائية بين الشركات التجارية الكبرى العالمية، والمصانع المشهورة في البلاد الصناعية في العالم، أصبحت حاجة أساسية في الممارسات الاقتصادية، نظرًا للازدياد المستمر في عدد السكان، وازدياد الطلب – تبعًا لذلك – على السلع الصناعية الأصلية والمستجدة التي أوجدتها الاختراعات وفنون الصناعة، وحققت منافع جديدة، ويسرت من الوسائل، ووفرت كثيرًا من الزمن والمتاعب، وذللت من مصاعب الحياة حتى أصبحت لا يستغنى عنها في حياة مدنية حديثة. وقد شمل ذلك الأغذية والأدوية، والتدابير الصحية الخاصة والعامة، الوقائية والعلاجية، وتدبير المنزل والتربية والتعليم والنقل والمواصلات بوسائلها المختلفة، وتعبيد الطرق والاتصالات عن بعد، والملابس للرجال وللنساء والأطفال بمختلف أنواعها لمختلف الفصول، ووسائل الفلاحة والزراعة، ومكافحة الحشرات، والتعبئة (حتى أن هناك معامل خاصة بصناعة بعض أنواع علب التعبئة أو التعليب فقط لا غير) ، إلى أدوات الكتابة والطباعة، والتسلية والرياضة، أضف إلى ذلك وسائل الإنارة والتنظيف والتدفئة والتبريد والتثليج، وسوى ذلك مما لا يستطيع الفكر والنظر إحصاءه، وتعجز الأقلام والأرقام عن حصره.
كل هذه الشبكة الهائلة العظيمة المحيطة بحياة الإنسان اليوم، فردًا وجماعات، أصبحت هدفًا مشتركًا بين الصناعة والتجارة التي تغطي أقطار العالم بطريق الشركات العظمى الصناعية والتجارية. وكثير من إنتاج المصانع يتم بطريق التوصية والاستصناع، فهي قد تنتج مصنوعاتها من تلقاء أنفسها وتعرضها على الأسواق، ولكنها كثيرًا ما تتلقى التوصيات وتعقد الصفقات الكبرى بطريق الاستصناع للشركات التجارية، وكبار التجار المستوردين.