إلى جانب هذه الحاجة العامة إلى الاستصناع في مختلف السلع الصغرى الاستهلاكية والاستعمالية قامت حاجة أعظم إلى السلع الكبرى من الآليات والمعدات، كالقطارات والطائرات والبواخر العملاقة من حمولة خمسمائة ألف طن فأكثر من حاملات النفط وسواه، حتى المصانع الآلية ذاتها بجميع أجهزتها يشتريها من يريد إنشاءها بطريق الاستصناع بحسب حاجته ضخامة وطاقة إنتاجية.
وقد ظهرت هذه الأهمية العظمي لعقد الاستصناع في القرن الماضي (التاسع عشر) ، قرن الثورة الصناعية في البلاد المتطورة (في الغرب) وهو أيضا القرن الذي أناخ فيه الاستعمار بكلكله على البلاد المتخلفة صناعيًّا (آسيا وأفريقيا بوجه عام) ، وفي بعض سواهما من القارات الأخرى، واتخذ منها مصادر للمواد الأولية التي تحتاج إليها صناعات المستعمرين، وأسواقًا لمنتوجات مصانع بلادهم.
فقد جاء في تقرير جمعية مجلة الأحكام العدلية الذي رفعت به المجلة بعد الفراغ من تدوينها وتحريرها إلى مقام الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) عالي باشا في الدولة العثمانية سنة ١٢٨٦هـ إشارة إلى أهمية عقد الاستصناع مبينًا أن الجمعية أخذت بعدم خيار الرؤية للمشتري المستصنع في عقد الاستصناع وهو قول مرجوح في المذهب الحنفي، ولم تأخذ بالقول الراجح، وذلك منها بدافع المصلحة للأهمية الكبرى التي أصبحت لعقد الاستصناع وشموله لأنواع جديدة من المصنوعات المكلفة التي إذا أعطي فيها خيار الرؤية للمشتري المستصنع (ولو جاءت موافقة للمواصفات المطلوبة) تترتب عليه مشكلة وضرر لا يحتمل للصانع. فقالت جمعية المجلة حول هذا الموضوع ما نصه:
" وعند الإمام الأعظم للمستصنع الرجوع بعد عقد الاستصناع، وقال الإمام أبو يوسف رحمه الله: إنه إذا وجد المصنوع موافقًا للصفات التي شرطت وقت العقد فليس له الرجوع. والحال أنه في هذا الزمان قد اتخذت معامل كثيرة تصنع فيها المدافع والبواخر ونحوها بالمقاولة. وبذلك صار الاستصناع من الأمور العظيمة التي جرى عليها الناس. فتخيير المستصنع في إمضاء العقد أو فسخه يترتب عليه الإخلال بمصالح جسيمة. ولما كان الاستصناع مستندًا إلى التعارف، ومقيسًا على السلم المشروع على خلاف القياس بناء على عرف الناس لزم اختيار قول أبي يوسف رحمه الله تعالى في هذا، مراعاة لمصلحة الوقت، كما حرر في المادة الثانية والتسعين بعد الثلاثمائة من هذه المجلة ".