١– أن عقد الاستصناع هو في طبيعته وحقيقته من قبيل البيع، فهو أحد أنواع البيع، وليس من قبيل الإجارة (إجارة الأشخاص) ، ولا مجرد وعد. ونتيجة كونه كذلك أنه يجب لنشوئه بين طرفين أن يتوافر فيه ركن التعاقد، وهو التراضي الذي يظهره الإيجاب والقبول، وكذلك جميع شرائط الانعقاد العامة في العقود.
٢– أن المبيع فيه هو العين الموصى عليها، وليس عمل الصانع ذاته. وهذا هو الراجح في المذهب الحنفي، وسنرى نتيجة الفرق بين الاعتبارين في مناسبتها القادمة من هذا البحث.
٣– أن المبيع في الاستصناع مفترض فيه اقتراضًا أنه معدوم عند العقد، وأن المقصود صنعه وإيجاده. وهذه تبرز فيه – كما هي في السلم – أنهما قد فتح فيهما باب معقول استثنائي لبيع المعدوم تدعو إليه الحاجة والمصلحة. ولكن ليس شرطًا فيه أن يكون معدومًا فعلًا عند العقد، وسوف يصنع أو يوجد فيما بعد. وسنرى نتيجة ذلك في مناسبته القادمة من هذا البحث وهذا مستفاد من عبارة (يلتزم البائع بتقديمه مصنوعًا) ولم نقل: يلتزم بأن يصنعه.
٤– أن الاستصناع إنما يجري في السلع التي تصنع صنعًا (المصنوعات) ولا يجري في الأشياء الطبيعية التي لا تدخلها الصنعة كالثمار والبقول والحبوب ونحوها، بل هذه المنتوجات الطبيعية إذا أريد بيعها قبل وجودها فطريقها بيع السلم لا غير.
٥– أنه لا بد في الاستصناع من تحديد الأوصاف للمبيع المطلوب صنعه بما يكفي لصيرورته معلومًا لا جهالة فيه، وكذا تحديد ثمنه. ويكفي للصحة بيان الأوصاف الأساسية في كل شيء بحسبه عرفًا. أما الأوصاف الفرعية التفصيلية فلا يشترط بيانها لصحته لأنها لا حدود لها. ولكن لو ذكر منها شيء في العقد يجب الالتزام به.
٦– أن الثمن لا يجب تعجيله في الاستصناع، وإنما تجب معلوميته بتحديده نوعًا وقدرًا. فيمكن أن يكون الثمن في الاستصناع معجلًا كله، أو مؤجلًا كله، أو مقسطًا، وذلك كما في البيع العادي (البيع المطلق) ، وهذا فارق أساسي بين الاستصناع والسلم تظهر به مزية الاستصناع، وقابليته لتلبية حاجة التعامل المتطور في عصرنا هذا.
٧– أن المادة أو المواد الأولية التي يصنع منها الشيء المستصنع فيه، وسائر ما يحتاج إليه صنعه من مواد أساسية أو كمالية، سواء منها ما يحتاج إلى اشتراط، أو كان مفهومًا عرفًا، كل ذلك إنما يقدمه الصانع البائع من عنده، ولا يقدم المستصنع المشتري شيئًا منه، لأنه محسوب حسابه في الثمن، وهو إنما يشتري الشيء مصنوعًا كاملًا.
وهذا ما يفرق الاستصناع عن الإجارة من ناحية ثانية إذا استؤجر أحد الأشخاص لعمل ما مما يحتاج إلى مواد، فإن الأجير الخاص لا يقوم بتقديمها من عنده، وإنما يقوم بالعمل فقط.