فرضت السنة النبوية في بعض أنواع من التعامل قيودًا وبخاصة في عقدي المصارفة والسلم، لأن فيها قابلية كبيرة للانزلاق إلى المراباة لولا تلك القيود. ومن أهم تلك القيود التي ضبطت بها بعض العقود ولمنع ذلك الانزلاق فيها إلى المراباة المقنعة ثلاثة قيود:
- التقابض في عقد الصرف بمختلف صوره.
- تعجيل رأس المال في السلم لتحقيق مزيته الاقتصادية المهمة.
- عدم جواز بيع المبيع قبل قبضه
وقد بيَّنَّا أوائل هذا البحث في الإيضاحات التمهيدية أن لزوم تعجيل رأس المال في عقد السلم كان حائلًا دون الاستفادة منه في عصرنا الذي اشتدت فيه الحاجة إلى المداينات الائتمانية. فكأن عقد الاستصناع الذي هو محرر من قيد تعجيل الثمن هو الحل المناسب. ففيه توسيع لنطاق إمكان بيع المعدوم في كل شيء يصنع صنعًا مما اشتدت الحاجة إلى إمكان بيعه قبل صنعه في عصر انفجرت فيه الصناعة وفنونها وابتكاراتها القائمة على الاكتشاف العلمي والتقنية إلى درجة تذهل العقول.
وهذا الانفجار الصناعي يخدم اليوم حقولًا عظيمة الأهمية في حياة البشر اليوم كالطب وما إليه، والزراعة وما إليها، والدفاع، والهندسة بمختلف فروعها التي بلغت العشرات، وبناء المباني المختلفة من المجمعات السكنية، والمستشفيات، والمدارس والجامعات، وصوامع حفظ الغلات الزراعية إلى غير ذلك مما لا يحصى، ومما يؤلف شبكة الحياة المعاصرة المتطورة. كل ذلك من الحقول الحيوية التي يخدمها ذلك الانفجار الصناعي اليوم يحتاج لكي يستفاد منه أن تقوم بموازاته تجارة واسعة ميسرة تنقل ثمراته من السلع التي لا تحصى إلى مختلف أقطار العالم. ومن هنا ظهرت أهمية تيسير التجارة وتنوعها بصورة لم تكن لها في الماضي، ووضعت لها في النظم التشريعية قوانين استثنائية من القواعد العامة في القوانين المدنية لتسهيل معاملاتها في التعامل، وقضاياها في القضاء، سميت بقوانين التجارة بغية تحقيق سرعة إنجازاتها، ودوران دولابها.
ومن ثم أيضًا في هذا الظرف الزمني الذي وصفناه، وخصائصه الصناعية والتجارية تبرز أيضًا أهمية الاستثمار التجاري بطريق عقد الاستصناع موضوع بحثنا هذا.