فاستثمار الأموال اليوم بغية تنميتها بالربح تنوعت سبله كثيرًا، وفيها الحلال والحرام في نظر الشريعة الإسلامية، وتزاحمت في طريق الاستثمار البنوك الإسلامية التي أُنشئت في هذا العصر في جذب مدخرات الناس وفائض أموالها، لدفعها ووضعها في طريق النماء والتنمية، وتسييلها في حقول النماء والربح.
لكن البنوك الإسلامية، رغم تقيدها باجتناب الربا وشبهاته، أمامها مجالات استثمارات ليست متاحة أمام البنوك الربوية. ذلك أن البنوك الإسلامية تقوم ترخيصاتها ونظمها على أساس الممارسات التجارية فعلًا في أسواق السلع المختلفة، بينما البنوك الربوية ينحصر نشاطها في التمويل فقط بطريق الإقراض والاقتراض بفوائد ربوية.
ومن هذا الأفق تبرز اليوم أمام البنوك الإسلامية، وأمام سائر التجار الإسلاميين في العالم الإسلامي الذين يحرصون على عدم تدنيس نشاطاتهم الاستثمارية بالربا ولا بشبهاته، أهمية عقد الاستصناع في ميدان التجارة وذلك من ناحيتين:
- الأولى: أن عقد الاستصناع لم يبق محصورًا، كما كان في الماضي، في نطاق الحاجات الفردية الشخصية التي كانت هي العامل الأساسي في وجوده وتعارفه حين يحتاج الشخص إلى شيء بمواصفات خاصة لا توجد عادة في المتداول العام من السلع، بل خرج اليوم المارد من القُمْقُمْ، وأصبح من الممكن أن ينطلق عقد الاستصناع إلى آفاق المصنوعات في نطاقها الواسع في عصر الانفجار الصناعي، وبالكميات الضخمة الهائلة من المصنوعات المثلية التي تنقلها التجارة إلى مختلف بلاد العالم، ولا سيما العالم المتنامي (الذي يسمى تلطيفًا اليوم بالعالم الثالث أو النامي) والذي أصبح لتخلفه، يحتاج في كل وسائل حياته، حتى في غذائه الضروري إلى منتوجات العالم الصناعي ومصنوعاته.