- الناحية الثانية: أن عقد الاستصناع قد جمع بين خاصيتين: خاصية بيع السلم في جواز وروده على مبيع معدوم حين العقد، سيصنع فيما بعد، وخاصية البيع المطلق العادي في جواز كون الثمن فيه ائتمانيًّا لا يجب تعجيله كما في السلم.
ومن هاتين الخاصيتين يتبين أن أهمية الاستصناع في طريق الاستثمار الإسلامي اليوم كبيرة جدًّا إذا مورس بخبرة تجارية وبصيرة في الأسواق، وإن مدى أهميته هذه واسع غير محدود، وفي طريق إسلامي سليم.
ونقول:(إذا مورس الاستصناع بخبرة تجارية وبصيرة في الأسواق) لأن البنوك الإسلامية اليوم التي هي مصب المدخرات لكثير من المسلمين الملتزمين لأجل استثمارها بواسطة هذه البنوك الإسلامية بطرق بعيدة عن الربا وشبهاته، قد أهملت الطريق الذي خلقت لأجله، وهو أن تكون تاجرة مضاربة تنطح الأسواق، وتتصيد الفرص المناسبة التي ترصدها بمنظار وعيون مفتحة في الأسواق على الأسعار والسلع، ويكون لها مخازن ومعارض ككل متاجر برأس ماله، ومضارب مشارك بعمله، فتجني أرباحًا مضاعفة عن سعر الفائدة الذي تربحه البنوك الربوية في قروضها. وهكذا تضرب المثل الصالح للنظام الإسلامي في طريق المشاركة الذي يباركه الله، بدلًا من طريق التمويل الربوي المشؤوم.
ولكن البنوك الإسلامية أو معظمها أهملت ذلك الطريق الذي خلقت لأجله لاحتياجه إلى جهد ويقظة، وانصرفت إلى طريق المرابحة للآمر بالشراء إيثارًا منها للكسل، لأن القائمين على إدارتها أو معظمهم ليسوا من التجار الخبراء، بل هم مصرفيون نشأوا في العمل بالأوراق والحسابات وهم على مناضدهم، ولم يعتادوا أن ينطحوا الأسواق ويكونوا تجارًا عمليين بمعنى الكلمة. فمع هؤلاء لا يعطي طريق الاستصناع الذي بينا مزاياه وخصائصه، النتائج العظمى التي هو مهيأ لإعطائها لو مارسته البنوك الإسلامية، بل يبقى طريقًا منتجًا كبير الفائدة للتجار الفرادى الذين يخوضون معترك السوق التجارية ليستثمروا أموالهم بأنفسهم، سواء أكانوا أفرادًا أو شركات، ولا ينتظرون البنوك الإسلامية أن تستثمر لهم مدخراتهم.