إن لهذا الرأي الثاني، وهو المرجح في الاستثمارات الإسلامية أن له أثرًا واضحًا في الوفاء بالالتزامات الصناعية، وذلك بتوسيع إمكانية الوفاء. ولا سيما في عصرنا الذي أصبحت فيه الصناعات جميعًا – حتى فيما اعتيد عمله يدويًّا من الأشياء البسيطة – تتم بواسطة المعامل الآلية التي تنتج منه الكميات الهائلة من السلع المتماثلة. حتى إن كثيرًا من السلع التي كانت في الماضي تعتبر من الأموال القيمية لاختلاف بين أفرادها التي تصنع بالأيدي، قد أصبحت أموالًا مثلية وأخذت أحكام المثليات لأنها تنتجها آلات في المعامل بالآلاف أو الملايين، وكلها متماثلة لا يلحظ فرق بين واحدة وأخرى.
فقد يكون أن المعمل البائع في عقد الاستصناع لديه من السلعة المطلوبة في العقد الجديد متراكمًا من صنع سابق، فيستطيع أن يفي بالتزام بما عنده منها دون أن يصنع غيرها ويتركها مركومة، كما أنه قد يكون لديه صفقة أخرى مستعجلة أهم لديه من الصفقة الجديدة، فيستطيع أن يشتري مما عند غيره ما هو موافق للمطلوب منه، ويوفي به التزامه.
وهكذا نجد أن الرأي الثاني أكثر عونًا على تحريك دولاب التجارة والصناعة في ظل الصناعة الآلية اليوم.
المجالات الجديدة اليوم لعقد الاستصناع:
سبق أن أشرنا إلى المجالات والآفاق الجديدة التي امتد إليها عقد الاستصناع.
والآن نختم هذا البحث بعرض لبعض هذه المجالات لمد البصر إلى المدى الواسع الذي يمكن أن يخدم فيه عقد الاستصناع الاستثمارات بطريق إسلامي سليم:
١ – عرفنا مما سبق أن عقد الاستصناع لا يجري في المنتوجات الطبيعية التي لا تدخلها الصنعة كالبقول والفواكه واللحوم الطازجة واللبن والقمح وسائر الحبوب ... إلخ، فهذه السلع الطبيعية طريق بيع غير الموجود منها وقت العقد إنما هو السلم. فلا يجري الاستصناع إلا فيما تدخله الصنعة كالأمثلة السابقة البيان.
واليوم قد وجدت صناعة التعليب لهذه المنتوجات الطبيعية وصناعة تجميدها أيضًا لتحفظ معلبة أو مجمدة مثلجة في علب أو أكياس من البلاستيك. فهل تنتقل بذلك من زمرة المنتوجات الطبيعية إلى زمرة المصنعات، فيصح فيها عقد الاستصناع، ويجوز التعاقد مع معمل التعليب على أن يقوم بتعليب الكميات المطلوبة من كل نوع بمواصفات معينة؟
لا شك في الجواب إيجابيًّا، لأنها انتقلت بهذا العمل الصناعي إلى زمرة المصنعات. ويدخل في ذلك الأسماك واللحوم والخضروات وسواها.