للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وإن لم يضرب لرأس المال أجلًا، واشترط أن يعمله هو نفسه، أو اشترط عمل رجل بعينه؟ قال: لا يكون هذا سلفًا، لأن هذا رجل سلف في دين مضمون على هذا الرجل، وشرط عليه عمل نفسه، وقدم نقده فهو لا يدري، أيسلم هذا الرجل إلى ذلك الأجل فيعمله له أو لا؟ بطل سلف هذا فيكون الذي أسلف إليه قد انتفع بذهبه باطلًا.

قلت: لم؟ قال: لأنه لا يدري أيسلم ذلك الحديد أو الطواهر، أو الخشب إلى ذلك الأجل أم لا، ولا يكون السلف في شيء بعينه، فلذلك لا يجوز في قول مالك (١) هذا هو نص المدونة نقلناه بطوله لأهميته حيث يدل بوضوح على أن الاستصناع إنما يصح إذا توفرت فيه شروط السلم وضوابطه.

جاء في حاشية الدسوقي تفصيل أكثر وهو: (وصورته: وجدت نحاسًا يعمل طستا، أو حلة، أو تورا، أو غير ذلك، فقلت له: كمله لي على صفة كذا بدينار فيجوز إن شرع في تكميله بالفعل ...) إلى آخر النص (٢) .

والتحقيق أن المالكية جعلوا إحدى صور الاستصناع سلمًا، وبقية صوره الثلاث إما من باب البيع والإجارة – كما في النوع الثاني، والثالث، وإما باطل كما في النوع الرابع – كما سبق – كما جعلوا بعض صوره بيعا – كما سيأتي – وقد علق العلامة الدسوقي على النوع الذي قيل: إنه من باب البيع والإجارة فقال: (وأنت إذا أمعنت النظر وجدتها لها شبه بالسلم نظرًا للمعدوم في حال العقد، ولها شبه بالبيع نظرًا للموجود، وليست من اجتماع البيع والإجارة، لكن أقرب ما يتمشى عليه كلام المصنف قول أشهب الذي يجيز تعيين المعمول منه (٣) . وحينئذ يكون سلمًا على قول أشهب.

وكذلك الأمر عند الشافعية والحنابلة حيث أدخلوا الاستصناع في باب السلم أيضا، حيث يقول الشافعي في كتاب السلم: (ولا بأس أن يسلفه في طست، أو تور من نحاس أحمر، أو أبيض ...، أو رصاص، أو حديد، ويشترطه بسعة معروفة، ومضروبًا، أو مفرغًا، وبصنعة معروفة، ويصفه بالتخانة، أو الرقة، ويضرب له أجلًا كهو في الثياب وإذا جاء به على ما يقع عليه اسم الصفة، أو الشرط لزمه ولم يكن له رده، وكذلك كل إناء من جنس واحد ضبطت صفته فهو كالطست ... ولا يجوز فيه الإذن إلا أن يدفع ثمنه، وهذا شراء صفة مضمونة فلا يجوز فيها إلا أن يدفع ثمنها وتكون على ما وصفت) وأجاز الشافعية الاستصناع سواء كان حالا أم مؤجلًا لأنه سلم (٤) .


(١) المدونة الكبرى لإمام دار الهجرة الإمام مالك، طبعة السعادة ١٣٢٣هـ، القاهرة: ٩/١٨- ١٩
(٢) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، طبعة عيسى الحلبي: ٣/٢١٥- ٢١٦
(٣) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، طبعة عيسى الحلبي: ٣/٢١٥- ٢١٦
(٤) روضة الطالبين، طبعة المكتب الإسلامي: ٤/٧ جاء فيه: (يصح السلم الحال، كالمؤجل، فإن صرح بحلول، أو تأجيل فذاك، وإن أطلق فوجهان، وقيل: قولان، أصحهما عند الجمهور: يصح، ويكون حالًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>