وقد شرح صاحب المحيط البرهاني هذه المسألة في كتابه القيم (المخطوط) شرحًا رائعًا حيث قال: (ثم كيف ينعقد معاقدة؟ نقول: ينعقد إجارة ابتداء، ويصير بيعًا انتهاء متى سلم قبل التسليم فباعه، بدليل أنهم قالوا: بأن الصانع إذا مات قبل تسليم العمل بطل الاستصناع، ولا يستوفي المصنوع من تركته، ولو انعقد بيعًا ابتداءً وانتهاءً ...، لم يبطل بموته كما في بيع العين، والسلم، وقال محمد: إن أتى به الصانع كان المستصنع بالخيار، لأنه اشترى شيئا لم يره، ولو انعقد إجارة ابتداء وانتهاء لم يكن له خيار الرؤية، كما في الخياط والصباغ، ولو كان ينعقد بيعًا عند التسليم لا قبله بساعة لم يثبت خيار الرؤية، لأنه يكون مشتريا ما رآه، وخيار الرؤية لا يثبت في المشتري، فعلمنا أنه ينعقد إجارة ابتداء، وإن كان القياس يأباه، لأنه إجارة على عمل في ملك الآخر، ثم يصير بيعًا انتهاء قبل التسليم بساعة وإن كان القياس يأبى أن تصير الإجارة بيعًا لكنا تركنا القياس في الكل، لمكان التعامل، والمعنى في ذلك أن المستصنع طلب منه العمل والعين جميعًا فلا بد من اعتبارهما جميعا ـ واعتبارهما جميعًا في حالة واحدة متعذرة، لأن بين الإجارة والبيع تنافيا فجوزناها إجارة ابتداء، لأن عدم المعقود عليه لا يمنع انعقاد الإجارة ويمنع انعقاد البيع فاعتبرناها إجارة ابتداء، وجعلناها بيعًا قبل التسليم ... كما فعلنا هكذا في الهبة بشرط العوض، اعتبرناها تبرعًا ابتداء عملًا باللفظ، بيعًا انتهاء عملًا بالمعنى، ولذلك قلنا: لو مات قبل التسليم يبطل كالإجارة، ومتى سلم كان المستصنع بالخيار، لأنه اشترى ما لم يره)(١) .
(١) المحيط البرهاني مخطوطة مكتبة الأوقاف العامة: ج ٢ ورقة ٥٧٥.