للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقد الاستصناع بين اللزوم والجواز:

ولا شك أن الحنفية (وهم الذين أجازوا عقد الاستصناع بمعناه الخاص) لهم تفصيل في لزوم هذا العقد حسب مراحله:

المرحلة الأولى: بعد صدور الإيجاب والقبول من الطرفين، وقبل بدء العمل، فالعقد فيها غير لازم باتفاق الحنفية، يقول: (وأما صفة الاستصناع فهي وأنه عقد غير لازم قبل العمل في الجانبين جميعًا بلا خلاف حتى كان لكل واحد منهما خيار الامتناع قبل العمل كالبيع المشروط فيه الخيار للمتبايعين ... لأن القياس يقتضي أن لا يجوز، لما قلنا، وإنما عرفنا جوازه استحسانًا لتعامل الناس، فبقي اللزوم على أصل القياس) (١) .

المرحلة الثانية: هي بعد إجراء العقد، وبعد الفراغ من العمل لكن قبل أن يراه المستصنع، ففي هذه الحالة أيضًا غير لازم (حتى كان للصانع أن يبيعه ممن يشاء، كذا ذكر في الأصل، لأن العقد ما وقع على عين المعمول، بل على مثله في الذمة) قال الكاساني: (لما ذكرنا أنه لو اشترى من مكان آخر وسلم إليه جاز، ولو باعه الصانع، وأراد المستصنع أن ينقض البيع ليس له ذلك، ولو استهلكه قبل الرؤية فهو كالبائع إذا استهلك المبيع قبل التسليم، كذا قال أبو يوسف) (٢) .

المرحلة الثالثة: هي ما إذا أكمل الصانع الشيء الذي طلب صنعه، وأحضره أمام المستصنع، أو وكيله، وحينئذ إما أن يكون المصنوع مطابقًا للمواصفات التي طلبت في العقد أم لا.

فإن لم يكن مطابقًا للمواصفات المطلوبة فإن العقد لم ينفذ بعد، حيث يحق له المطالبة بالتنفيذ على ضوء شروط العقد، وأما إذا كان فيه عيب يضر بالقيمة في عرف التجار، فإن المستصنع بالخيار (٣) وقد نصت المادة (٣٩٢) من مجلة الحكام العدلية على أنه: إذا لم يكن المصنوع على الأوصاف المطلوبة المبينة ... كان المستصنع مخيَّرًا) .


(١) بدائع الصنائع: ٦/٢٦٨٠.
(٢) بدائع الصنائع: ٦/٢٦٨٠.
(٣) يراجع في تفصيل ذلك: مبدأ الرضا في العقود: ص ٨٠١ وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>