للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الترجيح:

والذي يظهر لنا رجحانه هو القول بأن عقد الاستصناع عقد لازم – كما هو رواية عن أبي يوسف – لأن النصوص الشرعية دالة بوضوح على وجوب الوفاء بالعقود والعهود والالتزامات من قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (١) .

وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} (٢) .

وكذلك تدل أحاديث كثيرة على ذلك منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: " المسلمون عند شروطهم " (٣) ، بل إن النصوص الشرعية تدل بوضوح على حرمة مخالفة الوعد ناهيك عن العقد، ولا نسلم التوسع في دائرة الفصل بين القضاء، والديانة، ولا سيما في نطاق الأمور المالية التي يترتب على مخالفتها أضرار بالغير، وذلك لأن المفروض من القضاء في الإسلام أن يحمي أوامر الشريعة ونواهيها بقدر ما يمكن أن يتحكم فيه القضاء، تاركًا الأمور القصدية والباطنية لله تعالى بناء على القاعدة الفقهية القاضية بأن علينا الظواهر، والله يتولى السرائر (٤) .

وقد ذكر الإمام البخاري بعض أقضية السلف في وجوب الوفاء بالوعود والشروط فقال: قال ابن عوف عن ابن سيرين قال لكريه: (ادخل ركابك، فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا، فلك مائة درهم، فلم يخرج، فقال شريح: من شرط على نفسه طائعًا غير مكره فهو عليه، وقال أيوب عن ابن سيرين: أن رجلًا باع طعامًا، قال: عن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع، فلم يجيء، فقال شريح للمشتري: أنت أخلفت فقضى عليه) (٥) وذكر الحافظ ابن حجر أن هذين الأثرين وصلهما سعيد بن منصور، ثم قال: (وحاصله أن شُريحًا في المسألتين قضى على المشترط بما اشترطه على نفسه بغير إكراه..) (٦)

وهذه الآثار تدل أيضًا على مشروعية ما يسمى في وقتنا الحاضر بالشرط الجزائي سواء كان في الاستصناع أو في غيره، والذي يَهُمُّنَا هنا في الاستصناع.


(١) [سورة المائدة: الآية ١] .
(٢) [سورة الإسراء: الآية ٣٤] .
(٣) رواه البخاري في صحيحه – مع الفتح – كتاب الإجارة (٤/٤٥١) .
(٤) وقد أقمنا الأدلة على ذلك بالتفصيل في رسالتنا الدكتوراه: مبدأ الرضا في العقود، ط. دار البشائر (٢/١٠٣١- ١٠٣٧) .
(٥) صحيح البخاري – مع فتح الباري، كتاب الشروط، " السلفية (٥/٣٥٤) .
(٦) صحيح البخاري – مع فتح الباري، كتاب الشروط، " السلفية (٥/٣٥٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>