للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرط الجزائي في عقد الاستصناع:

لا أريد الخوض في هذا الموضوع بصورة مفصلة، ولكن الذي أريد أن أذكره هنا هو أن الشرط الجزائي مقبول من حيث المبدأ، ولكن لا يترتب عليه من الضمان والتعويض إلا بقدر إحداث الضرر، فمثلًا لو خالف أحد العاقدين شروط العقد في المضاربة، أو الاستصناع، ورتب على ذلك إحداث ضرر فإن هذا الضرر لا يلحق العاقد الآخر، وإنما يكون على المتسبب في الضرر، وكذلك لو اشترط أحد العاقدين فرض غرامة مالية على الآخر في عقد الاستصناع إن تأخر الصانع في إكمال المال المستصنع في وقته، أو تأخر المستصنع في دفع المال إليه، وترتب على التأخير ضرر فإن المتضرر الحق في التعويض بقدر ضرره (١) ، وقد ذكرناه فيما سبق مستندًا لمبدأ الشرط الجزائي، يقول الأستاذ الجليل الزرقاء: (في أواخر العهد العثماني اتسعت في الدولة التجارة الخارجية مع أوروبا، وتطورت أساليب التجارة الداخلية، والصنائع، وتولدت في العصر الحديث أنواع من الحقوق لم تكن معهودة ... واتسعت مجالات عقود الاستصناع في التعامل بطريق الإيصاء على المصنوعات مع المعامل والمصانع الأجنبية ... وقد ضاعف احتياج الناس إلى أن يشترطوا في عقودهم ضمانات مالية على الطرف الذي يتأخر عن تنفيذ التزامه في حينه.. ومثل هذا الشرط يسمَّى في اصطلاح الفقه الأجنبي: " الشرط الجزائي " (٢) .

فعلى ضوء ذلك لا مانع من اقتران الشرط الجزائي بعقد الاستصناع، وحينئذ يلتزم به الطرفان، ويكون التعويض عند الإخلال بقدر الضرر وآثاره، ويرجع في ذلك إلى أهل الخبرة، أو إلى القاضي عند النزاع.

الظروف القاهرة:

إذا طرأت بعد انعقاد عقد الاستصناع ظروف قاهرة تحول دون تنفيذه فإنه على القول بلزومه تكون مقبولة، مثل حدوث حرب منعت الصانع من استيراد المادة الخام ولا توجد في البلاد – مثلا- ومثل أن شَبَّ حريق في المصنع أتى على كل ما فيه، فمثل هذه الطوارئ – سواء كانت مكتسبة من الغير أو سماوية – تعطي العذر للصانع، وتجعل المستصنع بالخيار بين الانتظار، أو فسخ العقد (٣) وذلك لأن هذه الشريعة تقوم تكاليفها التشريعية على القدرة والاستطاعة {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (٤) ، وأنه: ((لا ضرر ولا ضرار)) (٥) .


(١) يراجع في تفصيل ذلك: عبد المحسن الرويشد: الشرط الجزائي في العقود، رسالة دكتوراه بحقوق القاهرة، عام ١٤٠٤هـ، وكاسب عبد الكريم: المرجع السابق ص (٢١٢) .
(٢) المدخل الفقهي العام فقرة ٣٨٦.
(٣) يراجع: د. العطار: نظرية الالتزام ص ٢٦٢، وكاسب عبد الكريم: المرجع السابق، ص٢١١ ومصادرهما
(٤) [سورة البقرة: الآية ٢٨٦] .
(٥) وهو حديث ثابت رواه أحمد في مسنده ١/٣١٣، ٣٢٧، ومالك في الموطأ ص٦٦٤، وابن ماجه في سننه، كتاب الأحكام ٢/٧٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>