أهمية عقد الاستصناع في عصرنا الحاضر، وتطبيقاته المعاصرة:
إن لعقد الاستصناع أهمية بالغة من عدة جوانب:
الجانب الأول: أنه عقد فيه تيسير كبير على المسلمين، وذلك لأنه لا يشترط فيه تسليم الثمن، ولا المثمن، فهو تغطية كاملة لجانبين مهمين هما: عقد السلم الذي لا يشترط فيه وجود السلم فيه، ولكن يجب تسليم الثمن في المجلس عند الجمهور، وفي ثلاثة أيام عند المالكية وعقد بيع الأجل الذي لا يشترط فيه تسليم الثمن، ولكن لابد من وجود المثمن (المبيع) وتسليمه إلى المشتري، فأبح الإسلام عقد الاستصناع الذي هو في واقعة وارد على الذمة من حيث العين والعمل – كما سبق -.
وبذلك اكتملت جميع الجوانب الثلاثة، وغطيت الحاجة الأساسية للمجتمع المسلم الذي يحتاج كثيرًا إلى هذه العقود الثلاثة.
الجانب الثاني: أن عقد الاستصناع له دور بارز في تطوير المصانع وتنمية المجتمع، وتطويره، وكان له دور في المجتمعات السابقة، ودوره اليوم أكثر، نظرًا لحاجة المصانع إلى الأموال، وإلى التشغيل، فكثير من المصانع ليس لها من السيولة ما يكفي لتطويرها كما أنها قد تخاف من صنع مواد لا يشتريها الناس، وحينئذ تكسد بضائعها ومصنوعاتها، فتخسر، وقد يؤدى ذلك إلى غلقها وإفلاسها، ولكن يباح لها من التعاقد على المصنوعات، وتضمن لنفسها قبل البدء مشترين وزبائن تقدم على التصنيع وهي مطمئنة من عدم الخسارة، بل من الربح، وهكذا وبذلك تنمو المصانع وتكثر المصنوعات، بل وقد ترخص نتيجة لذلك وللتنافس.
وأما تطبيقاته المعاصرة فهي كثيرة حيث يمكن تطبيقه على كل ما دخلت فيه الصناعة، فهي تشمل جميع الصناعات التي يقوم بصنعها المصانع، أو الصناع، من الطائرات والصواريخ، إلى صنع الأحذية والأثواب ونحوها، وهي تشمل أيضا بناء العقارات، وتصنيع المباني الجاهزة وغيرها، إذا توفرت الشروط السابقة، بل أن المصنوعات أسهل في تطبيق الاستصناع عليه نظرًا إلى أن المصانع اليوم آلية لا تختلف مصنوعاتها بعضها عن بعض، فهي قادرة على الضبط الدقيق، والمثلية الكاملة بدقة متناهية، بينما كانت الصناعات في السابق كلها يدوية قد توجد الصعوبة في التحكم في المثلية.
كذلك يمكن تطبيق عقد الاستصناع للتمويل في جميع المشاريع الصناعية، وهذا هو مجال واسع للبنوك الإسلامية بأن تقوم بتمويل هذه المشاريع الصناعية على أساس عقد الاستصناع، وكذلك مشاريع البناء ونحوها مما فيه صناعة.