ذهب فقهاء الأحناف إلى أن الاستصناع بيع فقد عددوا أنواع البيوع وذكروا منها الاستصناع وقالوا في توجيه ذلك:
إن الاستصناع مشتمل على معنى عقدين جائزين، وهو السلم والإجارة، لأن السلم عقد على مبيع في الذمة، والإجارة على استئجار الصانع للعمل، وما اشتمل على معنى عقدين جائزين لا يكون مواعدة، ولأنه بعد الفراغ منه والإرادة إذا كان موافقًا للشروط يكون لازمًا على القول الأوفق والمواعدة لا لزوم فيها. والمعقود عليه هو العين لكن بشرط أن يكون عمل الصانع بعد العقد. وعلى هذا لو تقاول مع نجار على أن يصنع له زورقًا أو سفينة وبين طولها وعرضها وأوصافها اللازمة وقبل النجار انعقد الاستصناع بيعًا لا عدة.
ثالثًا – دليل مشروعيته:
إن المتأمل في أحكام الشريعة الغراء يتبين له أن هناك جملة من الأحكام شرعها البارئ عز وجل تتسم بالعموم ولا تختص ببعض المكلفين دون بعض ولا بحال من الأحوال دون أخرى مثل وجوب الصلوات والصوم والزكاة والحج وتحليل الطيبات وتحريم الخبائث وصحة تصرف الإنسان فيما يملكه قال تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} .
وقد اصطلح أئمة الفقه والأصول على إطلاق اسم العزائم على هذا النمط من الأحكام وهناك طائفة أخرى شرعها الله تيسيرًا على عباده قصد التخفيف عليهم وقد أطلقوا عليها اسم الرخص وتشمل فيما تشمله بعض العقود التي لم تتحقق فيها الشروط العامة التي يتطلبها العقد من حيث انعقاده وصحته مثل عقد السلم وعقد الاستصناع وعقد الإجارة، فإن هذه العقود من قبيل العقد على معدوم، ومعلوم أن العقد على معدوم باطل شرعًا إلا أن الشارع الحكيم أجازها على خلاف القياس وفقًا لحاجة الناس وتيسيرًا عليهم، فيكون عقد الاستصناع جائزًا ويكون استثناء من الأصل الذي ورد النهي عنه كبيع ما ليس عند الإنسان (١) .