للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا – العلاقة بين العقدين:

بينا أن كلًّا من السلم والاستصناع من العقود التي تشتمل على غرر وجُوِّزَا لمسيس الحاجة إليهما فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين والثلاث فقال: " من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم".

وينعقد إن كان مؤجلًا بلا خلاف بين الأئمة أما إن كان حالًّا فلا يصح عند الأئمة الثلاثة ويصح عند الشافعى لأنه إذا جاز في المؤجل مع الغرر فهو في الحال أجوز، لأنه أبعد عن الغرر.

كما يتفق العقدان في أنه لا بد من ضبطهما بالصفة التي تنفي الجهالة قال في الكفاية: لأن السلم عقد غرر وعدم الضبط بما ينفي الجهالة غرر ثان وغرران على شيء واحد غير محتمل (١) ونصت المادة ٣٩٠ من مجلة الأحكام العدلية يلزم في الاستصناع وصف المصنوع وتعريفه على الوجه الموفق المطلوب قال شارحه علي حيدر: يلزم في الاستصناع وصف المصنوع وصفًا يمنع حدوث أي نزاع لجهالة شيء من أوصافه وتعريفه تعريفًا يتضح به جنسه ونوعه على الوجه المطلوب (٢) .

تنبيه:

اختلف أقوال شراح المجلة على المادة (٣٨٩) ونصها: كل شيء تعومل فيه استصناعه يصح فيه الاستصناع على الإطلاق، وأما ما لم يتعامل باستصناعه (إذا بين فيه المدة صار سلمًا ويعتبر فيه حنيئذٍ شرائط السلم وإذا لم يبين في المدة كان من الاستصناع أيضًا) .

قال المرحوم خالد الأتاسي في شرحه على هذه المادة:

والحاصل: أن ما تعورف في استصناعه ولم يبين له مدة أصلًا أو بين دون الشهر فهو استصناع بالاتفاق، وإن بين له مدة شهر أو أكثر فهو استصناع عندهما سلم عنده. وما لم يتعارف استصناعه إن بين فيه مدة السلم شهرًا أو أكثر فهو سلم بالاتفاق، وإن لم يبين فيه مدة فهو استصناع فاسد منهي عنه.

ثم عقب على ذلك فقال: "فهو وإن كان فاسدًا لكن بعد وقوعه يأخذ حكم الصحيح وقد أشارت المجلة إلى هذا بقولها (كان من قبيل الاستصناع) أي تجري فيه أحكام الصحيح وإن لم يكن استصناعًا مشروعًا، لأن من العقود ما يكون فاسدًا منهيًّا عنه وبعد وقوعه يأخذ حكم الصحيح كالمبيع بعقد فاسد يدخل في ملك المشتري بالقبض. والرهن الفاسد بشيوع أو غيره إذا كان سابقًا على الدين، يأخذ حكم الصحيح بعد وقوعه (٣) .


(١) كفاية الأخيار: ١/١٥٩.
(٢) دور الحكام شرح مجلة الأحكام: ١/٣٦٠.
(٣) شرح المجلة، للأتاسي: ٢/٤٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>