أي: وجعلت الحديد في يده لينًا يسهل تصويره وتعريفه كما يشاء فيعمل منه الدروع وآلات الحرب على أتم النظم وأحكم الأوضاع فيجعل حلقاتها على قدر الحاجة.
قال قتادة: إن داود أول من عملها حلقًا وكانت قبل ذلك صفائح فكانت ثقالًا.
وبين سبحانه وتعالى أنه أنعم على ابنه سليمان كذلك وأنه أذاب له النحاس على نحو ما كان لداود من إلانة الحديد وسخر له الجن عملة بين يديه يعملون له شتى المصنوعات من قصور شامخات وصور من نحاس وجفان كبيرة كالأحواض وقدور لا تتحرك لعظمها.
وقد حث الإسلام على العمل فقد روى البخاري أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه صدقة فأمره النبي بالانتظار ثم دعا بقدوم ودعا بيد من خشب سواها بنفسه ووضعها فيها ثم دفعها للرجل وأمره أن يذهب إلى مكان ليحتطب ليكسب قوته وقوت عياله.
وقال عليه الصلاة والسلام:((إن الله يحب العبد المحترف)) .
ويعقد صاحب كتاب التراتيب الإدارية فصولًا مستفيضة في ذكر الحرف والصناعات التي كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر من عملها من الصحابة رضوان الله عليهم وقال إنه استدرك فصولًا على الإمام الخزاعي.
ونقل في المقدمة الثانية: قول المواق الذي يتبين من الفقه أن الصناعات والتجارات والاشتغال بالعلم الزائد على فرض العين وعلى الطب كل ذلك أسباب شرعية.
ونقل عن عمدة الطالب: طلب التكسب واجب فريضة كما أن طلب العلم فريضة ثم التكسب أنواع: كسب مفروض وهو الكسب بقدر الكفاية لنفسه ولعياله وقضاء دينه، وكسب مستحب وهو كسب الزيادة على أذي الكفاية ليواسي به فقيرًا أو يجازي به قريبًا ثم قال: إنه أفضل حتى من التخلي لنفل العبادة ثم قال: فأفضل مكسوب التجارة ثم الصناعة ثم طلب العلم.
وقال في المقدمة الرابعة: ترجم البخاري في كتاب البيوع من صحيحه باب ما ذكر في الأسواق. قال ابن بطال: أراد بذكر الأسواق إباحة المتاجر ودخول الأشراف والفضلاء إلى الأسواق وكأنه أشار إلى ما لم يثبت على شرطه من أنها شر البقاع.