وقال ابن رشد: وأما جواز دخول الأسواق والمشي فيها فكفى في الحجية في ذلك قول الله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ}(١) .
وكان البخاري صاحب تجارة وزع وروى أنه أعطي ببضاعة خمسة آلاف فذكر في نفسه ولم يتلفظ فأعطي فيها بعد ذلك أضعاف الأولى ألوفًا مؤلفة.
وقد صنفت مؤلفات كثيرة في وجوه المكاسب أشار إليها صاحب التراتيب الإدارية منها:
١- كتاب البركة في فضل السعي والحركة قال وهو مجلد اشتمل على سبعة أبواب، الباب الأول في فضل الحرث والزرع والثمار وغرس الأشجار وحفر الأنهار وفيه فصول. الباب الثاني في فضل الغزل وفيه فصول، الباب الرابع فيما ورد من الآثار في الطب والمنافع.
٢- وكتاب الشرح الجلي للشهاب التبريز اشتمل على أنواع المتاجر والحرف والصنائع وأنه تكلم على الزراعة والتجارة والخياطة والحياكة والقصارة والجزارة والطباخة والصباغة.
ثم ذكر في المقدمة التاسعة: الحرف والصناعات التي عرفها أهل الإسلام واستعملوها وأن خالد بن يزيد الأموي ترجم بعض الكتب المصنفة منها باللسان القديم في أواخر عصر الصحابة. وألف الجاحظ كتاب الأخطار والمراتب في الصناعات وله أيضًا كتاب غش الصناعات، إلى غير ذلك مما مجرد الإشارة إليه يستغرق صفحات.
من هذا العرض يتبين مدى أهمية المكاسب على اختلاف وجوهها في الإسلام ومن ثم فليس غريبًا أن نرى التجارة تتسع وتنتشر مع اتساع الإسلام وانتشار سلطانه حتى تهيأت أسواق ضخمة وتجارات واسعة وصناعة متنوعة. وقد عرف المجتمع الإسلامي صيغة الإنتاج المشترك وكان هناك عقود المشاركة التي يسهم فيها الشركاء بنسب مختلفة بقوة العمل وأدوات الإنتاج والمواد الأولية ثم يتقاسمون الأرباح بينهم بنسبة إسهامهم.
وإن أمم الأرض قاطبة تسعى جاهدة لاستغلال اقتصادها ومواردها وإمكاناتها من أجل حياة أفضل وأخذت تنسق فيما بينها الخطط والمشروعات حماية لاقتصادها من جهة ورفعها لمستوى شعوبها من جهة أخرى كالسوق الأوربية وغيرها من المنظمات والأحلاف والمعاهدات وإن الأمة الإسلامية لها من تراثها الاقتصادي نظريًّا وتطبيقًا، ومن إمكاناتها المادية والمعنوية ومواردها الطبيعية وتشعب حاجاتها ما يدعوها إلى إقامة صروح اقتصادية تكفل لها القوة والمنعة والعزة.