للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكييف عقد الاستصناع:

* وبناء على القول بجواز عقد الاستصناع عند الحنفية، فما تكييفه؟

اختلف علماء الحنفية في تكييف عقد الاستصناع إلى رأيين:

الرأي الأول:

يرى أن عقد الاستصناع هو مواعدة " وهو رأي عند الحنفية حكي عن الحاكم الشهيد والصفار، ومحمد بن سلمة، وصاحب المنثور "

" وإنما ينعقد العقد بيعا بالتعاطي إذا جاء به مفروغا عنه "، أي قد أتم صنعه، والدليل على أنه مواعدة: أن للصانع ألا يعمل، إذ ليس هو عقدا لازما (١) ، وأنه لا يجبر عليه، بخلاف السلم، وللمستصنع ألا يقبل ما يأتي به الصانع، ويرجع عنه، ولا تلزم "المعاملة" وكذا " المزارعة " على قول أبي حنيفة لفسادهما مع التعامل، لثبوت الخلاف فيهما في الصدر الأول، وهذا كان على الاتفاق (٢) .

أو نقول: " أن ثبوت الخيار لكل واحد منهما فيه دليل على أنه مواعدة وليس عقد بيع وإنما ينعقد بالتعاطي، أي بعد أن يتم الصنع، يعطى هذا الشيء المصنوع ويعطى الآخر الثمن " (٣) .

الرأي الثاني: في عقد الاستصناع:

يرى أنه ينعقد بيعا.

وهو الرأي الصحيح في مذهب الحنفية.

وهو مذهب عامة مشايخ الحنفية جاء في شرح فتح القدير: " والصحيح من المذهب جوازه بيعا، لأن محمدا (رضي الله عنه) ذكر فيه القياس والاستحسان، وهما لا يجريان في المواعدة، ولأنه جوزه فيما فيه تعامل دون ما ليس فيه تعامل "، ولو كان مواعدة جاز في الكل، وسماه (أي محمد بن الحسن) شراء، فقال إذا رآه المستصنع فهو بالخيار، لأنه اشترى ما لم يره، ولأن الصانع يملك الدراهم بقبضها، ولو كانت مواعدة لم يملكها، وإثبات أبي اليسر الخيار لكل واحد منهما لا يدل على أنه غير بيع، ألا ترى أن في بيع المقايضة (٤) لو لم ير كل منهما عين الآخر كان لكل منهما الخيار، وحين لزم جوازه علمنا أن الشارع اعتبر فيه المعدوم موجودا، وفي الشرع كثير كذلك، كطهارة المستحاضة، وتسمية الذبائح إذا نسيها، والرهن بالدين الموعود، وقراءة المأموم. كل ذلك اعتبر فيه الشرع المعدوم موجودا.


(١) تبيين الحقائق: ٤/١٢٣، وشرح فتح القدير: ٥/٣٥٥
(٢) شرح فتح القدير: ٥/٣٥٥، والمبسوط: ١٢/١٣٩
(٣) والوعد غير ملزم عند الحنفية
(٤) بيع المقايضة هو "بيع العين بالعين - كبيع السلع بأنواعها، نحو بيع الثوب بالثوب وغيره" تبيين الحقائق: ٤/١١٠، حاشية أحمد شلبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>