يرى الصاحبان أنه لا يشترط (ألا يكون في عقد الاستصناع أجل) وأنه يكون عقد استصناع على كل حال بدون هذا الشرط، فسواء أضرب فيه أجل أم لم يضرب فيه أجل هو عقد استصناع ما دام الشيء المستصنع مما يجوز فيه الاستصناع. فإن كان مما لا يجوز فيه الاستصناع (كالثياب ونحوها) فضرب أجلا للاستصناع فيها ينقلب عقد الاستصناع سلما في قول أبي حنيفة وقول الصاحبين بالاتفاق.
ووجه قول أبي يوسف ومحمد في أن هذا ليس بشرط: أن العادة جارية بضرب الأجل في الاستصناع، وإنما يقصد به تعجيل العمل، لا تأخير المطالبة، فلا يخرج بالأجل عن كونه استصناعا.
- أو يقال: قد يقصد بضرب الأجل تأخير المطالبة، وقد يقصد به تعجيل العمل فلا يخرج العقد عن موضوعه مع الشك والاحتمال، بخلاف ما لا يحتمل الاستصناع، لأن ما لا يحتمل الاستصناع لا يقصد بضرب الأجل فيه تعجيل العمل، فتعين أن يكون لتأخير المطالبة بالدين، وذلك بالسلم. أو يقال أن اللفظ حقيقة في الاستصناع وتقريره أن ذكر الاستصناع يقتضي ألا يكون سلما، لأن اللفظ حقيقة وهو ممكن العمل، وذكر الأجل يقتضي أن يكون سلما لكنه ليس بمحكم فيه بل يحتمل أن يكون للتعجيل وإذا كان كذلك فقد اجتمع المحكم والمحتمل فيحمل الثاني على الأول.
ويحكى عن الهندواني: أن ذكر المدة إن كان من قبل المستصنع فهو للاستعجال، فلا يصير به سلما، وإن كان من قبل الصانع فهو سلم لأنه يذكره على سبيل الاستمهال، وفيما إذا صار سلما يعتبر شرائط السلم المذكورة.
الترجيح:
أرى أن قول الصاحبين – أبي يوسف ومحمد – في الهدف من ذكر الأجل في عقد الاستصناع وهو أن يقصد المستصنع بذكره والنص عليه تعجيل العمل، وتقديم الشيء والمصنوع في موعد ملائم لمصلحة المستصنع بل والصانع، هو قصد معتبر لا غنى عنه في مثل هذه العقود ضمانا للوفاء بالشيء المستصنع في وقت الحاجة إليه، إذ لو فات هذا الوقت ومضى لأمكن أن تكسد السلعة ولا تتحقق المصلحة من ورائها.
وبخاصة أن عقد الاستصناع عقد غير لازم من الطرفين قبل الصنع بالاتفاق بين علماء المذهب الحنفي، فمن مصلحة المستصنع أن يقدر الأجل الذي يمكنه فيه أن يحصل على الشيء المستصنع تحقيقا لغرضه، وضمانا لعدم تسرب الزمن منه، وإعذارا للصانع حتى لا يكون انصرافه عنه ورجوعه عن الوفاء دون سبب ظاهر وفيه أيضا مصلحة للصانع، إذ أنه بالأجل يحثه على الإنجاز وإتمام العمل في الوقت المطلوب، وتقديمه إلى المستصنع في موعده المحدد، وبعد ذلك يتفرغ لغيره من الأعمال.