للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقصد من البحث:

المبحث الأول

المعضلات الفقهية في عقد الاستصناع

١ - المعضلة الأولى؛ مدى اللزوم في عقد الاستصناع:

الاستصناع كان يعتبر في أصل المذهب الحنفي عقدًا غير لازم، فأصبح بمقتضى نصوص المجلة عقدًا لازمًا، وعلى هذا فيجوز في الاستصناع لكل من الطرفين فسخه في أصل المذهب بلا خلاف ما دام الشيء المستصنع لم يصنع بعد، أما بعد صنعه وإحضاره فيكون للمستصنع حقًّا في الفسخ من قبيل خيار الرؤية على الرأي الراجح في المذهب، ولكن المجلة أخذت بلزوم العقد في حق الطرفين منذ انعقاده، إلا إذا جاء المصنوع مغايرًا للأوصاف المبينة في العقد، وحينئذ يكون للمستصنع حق الفسخ بمقتضى خيار فوات الوصف المشروط، لا بمقتضى عدم اللزوم في عقد الاستصناع، وذلك بنص المادة ٣٩٢ من المجلة.

جاء في لائحة الأسباب الموجبة من مقدمة المجلة أنها اختارت قول الإمام أبي يوسف بعدم خيار المستصنع إذا أحضر الصانع المصنوع بعد العمل موافقًا للشروط، وذلك وفقًا لما تقضي به المصلحة الزمنية.

والمنقول في كتب المذهب أن أبا يوسف لا يقول بعدم خيار المستصنع إلا بعد الصنع وإحضار الصانع المصنوع موافقًا للأوصاف المشروطة، أما قبل الفراغ من صنعه أو بعد الفراغ قبل إحضاره فلا خلاف في أن المستصنع مخير (١) ، لكن نص المادة ٣٩٢ من المجلة جاء صريحًا في أنه بعد انعقاد الاستصناع لا خيار لأحد من الطرفين إلا إذا جاء المصنوع مغايرًا للأوصاف المشروطة، فأفاد إطلاق نصها اللزوم بحق الطرفين قبل الصنع بعد انعقاد العقد، وهو ليس قولًا لأحد في المذهب الحنفي، والذي رجحه الأستاذ الجليل الزرقاء في كتابه القيم المدخل الفقهي ورمز له بقوله: (الظاهر) وهو أن المجلة اتخذت نظرية الإمام أبي يوسف أساسًا وتوسعت فيه بالتعديل في بعض نواحيها بحسب المصلحة الزمنية، وقد اقترنت بالإرادة السلطانية فأصبحت قانونًا من ولي الأمر، فالعبرة لنصها لا للنصوص التي استُمِدَّت منها (٢) .

والذي يتوجه اليوم ترجيح قول الإمام أبي يوسف أولًا، ثم الوصول إلى ترجيح رأي المجلة ثانيًا بالإلزام في حق الطرفين حفظًا لحقوق الناس من الضياع.


(١) انظر البدائع ورد المحتار في مبحث الاستصناع؛ والمدخل الفقهي العام: ١/٤٥٦، ف ٢٠٢ وحاشيتها، للأستاذ الجليل مصطفى أحمد الزرقاء.
(٢) انظر المدخل الفقهي: ١/٤٥٦، الحاشية.

<<  <  ج: ص:  >  >>