للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: فإن كان إنما أسلفه كما وصفت لك على أن يعمل له ما اشترطه عليه من حديد قد أراه إياه أو طواهر أو خشب أو نحاس قد أراه إياه قال: لا يجوز ذلك قلت: لم؟ قال: لأنه لا يدري أيسلم ذلك الحديد أو الطواهر أو الخشب إلى ذلك الأجل أم لا، ولا يكون السلف في شيء بعينه فذلك لا يجوز في قول مالك (١) وتتفق الإجارة على العمل مع الاستصناع في أن العامل الذي هو الصانع في الاستصناع والذي هو الأجير في الإجارة على الصنع والفرق بينهما أن في الإجارة على الصنع أن المحل هو العمل. وفي الاستصناع هو العين الموصوفة التي تكون في الذمة فليس فيه بيع عمل (٢) ثم إن الإجارة على العمل تكون بشرط أن يقدم التاجر للعامل المادة التي ستصنع فالعمل على العامل والمادة على من استأجره وأما في الاستصناع فكلاهما من العامل المادة والصنعة ويتفق الاستصناع مع بيع السلم في كون كل منهما شراء آجل بعاجل كما في ابن عابدين فالاستصناع هو نوع من أنواع السلم لأن الأصل أنه في المزروعات والاستصناع إنما هو شراء آجل بعاجل في المصنوعات فيتفق الاستصناع مع السلم في صور كثيرة ولذا أجرى المالكية والشافعية ذكر الاستصناع في باب السلم وجعله الحنفية ضمن مبحث السلم إذ هو نوع منه والفرق بينهما أن السلم أعم لأنه عام في المصنوع وغيره وأما الاستصناع فهو خاص بما اشترطت فيه الصنعة والعامل وكذلك السلم من شرطه تعجيل الثمن على أن لا يكون من الدين بالدين وهو ممتنع في حين أن الاستصناع ليس فيه تعمير ذمتين بدينين لأن العمل معدوم سيوجده الصانع في المستقبل ولذا أجاز أكثر الحنفية تأخير الثمن ولم يشترطوا التعجيل فيه (٣) كما يتفق الاستصناع مع الجعالة في أنها التزام عوض معلوم على عمل معين والاستصناع عقد عمل كذلك (٤) فهما يتفقان في أنهما عقدان مشروط فيهما العمل ويفترقان في أن الجعالة عامة في الصناعات وغيرها من الأعمال بخلاف الاستصناع فإنه خاص بالمصنوعات كما أن العمل في الجعالة قد يكون معلومًا وقد يكون مجهولًا كحفر البئر فإنه مجهول فيه ساعات العمل لتحقيق الغاية وقد يكون معلوم المقدار والزمن وما يستغرق من ساعات العمل أما الاستصناع فلابد أن يكون معلومًا وإلا لامتنع.


(١) المدونة الكبرى، للإمام مالك بن أنس الأصبحي: ٩/١٨ ـ ١٩، طبعة السعادة ١٣٢٣هـ
(٢) حاشية ابن عابدين: ٥/٢٢٥، طبعة الحلبي
(٣) فتح القدير: ٥/٣٥٥، وبدائع الصنائع: ٦/٢٦٧٧، والمبسوط: ١٢/١٣٨، وما بعدها.
(٤) البجيرمي على شرح الخطيب: ٣/٣٣، طبعة مصطفى محمد

<<  <  ج: ص:  >  >>