للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستصناع كغيره من كثير من العقود هو مستثنى من أصل ممنوع ذلك أن المعقود عليه وهو ما التعاقد عليه ظهرت فيه أحكامه وترتبت عليه آثاره قد يكون عينًا ماليّةً كالمبيع والمرهون والموهوب وقد يكون عينًا غير مالية كعقد الزواج فإنه عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية وقد يكون منفعة كمنفعة المأجور في الإجارة من الدور والعقارات ومنفعة الشخص في صباغة ثوب أو إصلاح آلة. فما يصلح أن يكون معقودًا عليه هو الأمر المهم في ذاته أو في الانتفاع به وليس كل شيء صالحًا لأن يكون معقودًا عليه بل لابد أن تكون هناك منفعة معتبرة شرعًا وعرفًا فلذا لا يصح العقد على خمر بين المسلمين ولا يصح العقد على امرأة محرم بسبب نسب أو رضاع ولا على ما لا يعتبر منفعة شرعًا كصنع آلات الغناء أو العزف وهذا شرط عام في كل معقود عليه، ومن شرط المعقود عليه أن يكون موجودًا وقت التعاقد لأنه لا يصح التعاقد على المعدوم ولذا لا يصح بيع زرع قبل ظهوره أو قبل بدو صلاحه لأنه لا يعلم هل ينبت أم لا ولا يصح العقد على ما فيه غرر أو خطر، فإذا لا يصح العقد على بيع الجنين في بطن أمه لاحتمال انعدامه قبل ولادته بموته في بطن أمه ولا يصح بيع اللبن في الضرع لاحتمال عدم وجوده، وأن ما به هو انتفاخ ولا بيع اللؤلؤ في الصدف أو الحيتان في البحر، وكل ما لا يصح التعاقد عليه لعدم وجوده والأصل في كل ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندك وقال: "لا تبع ما ليس عندك". وكذلك لا يصح التعاقد على ما هو مستحيل الوجود في المستقبل كالتعاقد مع حكيم على علاج مريض توفي إذ الميت لا يصلح للعلاج كما لا يصلح للتعاقد على حصاد زرع قد احترق فمثل هذه العقود كلها وهذا الشرط مطلوب لا فرق بين عقود المعاوضات أو عقود التبرعات عند الحنفية والشافعية فلا فرق بين عقد البيع والهبة والرهن عندهما وذلك لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندك وعن بيع حبل الحبلة أي بيع ولد الناقة أو ولد ولدها (١) وقد كان بيع الملاقيح والمضامين متعاملًا بهما في الجاهية فورد الحديث بالنهي عن الملاقيح والمضامين عن ابن عمر (٢) وفرق مالك بين عقود التبرعات وعقود المعاوضات فأجاز الغرر في التبرعات ومنعها في المعاوضات وأباح اليسير منه فيما كان منشأه المكارمة والمجاملة وهو النكاح ونفاه فيما كان مبنيًّا على المشاحة والمكايسة.


(١) رواه أحمد ومسلم والترمذي عن ابن عمر، نيل الأوطار: ٥/١٣٧.
(٢) نصب الراية: ٤/١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>