للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في المذهب الشافعي:

الشافعية: ألحقوا الاستصناع بالسلم، كالمالكية، فيؤخذ تعريفه وأحكامه من السلم عند الكلام عن السلف في الشيء المسلم للغير من الصناعات، فإن كانت المادة من المستصنع فهي من باب الإجارة، وإن كانت من الصانع فهي من باب السلم

وغالب كتب الشافعية لم تفرد الاستصناع بحديث خاص، وإنما تحدثت عما يصنع ضمن حديثها عن مسائل باب السلم، وأكدوا على صفات المطلوب صنعه حتى لا يؤدي التعامل بها إلى الجهل المفضي إلى النزاع والخصومة والغرر.

فقد جاء في المهذب (١) : ويجوز السلم في كل مال يجوز بيعه، وتضبط صفاته، ومثل لها بأشياء، من ضمنها ما يصنع، كالفخار والورق المصنوع وصبغ الغزل ونسجه.

ويقول النووي (٢) ويجوز السلم في الزجاج والطين والجص والأبنية والأواني فيذكر نوعها وطولها وعرضها وغلظها.. كما يجوز السلم في الكاغد عددًا، ويبين نوعه وطوله، كما يجوز في الآجرّ على الأصح، وفي وجه لا يصح (لتأثير النار، لأن النار لا يمكن ضبطها في طبخ الآجرّ) .

وبهذا نعلم أن الشافعية يجيزون التعامل بالاستصناع على شروط معينة إذا ضبطت صفات المستصنع ضبطًا يزيل كل جهالة مفضية إلى النزاع، ولهذا أطال الشيخ النووي (٣) في ذكر الأمثلة والأشياء التي يجوز فيها السلم، وما لا يجوز فيه السلم، معتمدًا في كل ذلك على ما تعورف ضبط صفاته، وقبل في التعامل بين الناس بدون نزاع. أما ما أفضى إلى نزاع أو غرر أو جهالة فقد منعه.

وهم لا يسمون هذا النوع من التعامل بالاستصناع، وإنما يسمونه، سلمًا.

وما اشتهر في كتب الفقه من أن المالكية والشافعية لا يجيزون الاستصناع يوهم بأنهم عطلوا هذا النوع من التعامل بين الناس وإباحة غيرهم، بينما القضية هي قضية تخريج، والتزام بمصطلحات معينة لكل مذهب لا تزيد عن تقييد هذا العقد بقيود جديدة، وتغير التسمية.

وإذا كان الشافعي لا يقول بالاستحسان الذي بموجبه أجاز الحنفية الاستصناع بل اعتبر أن "من استحسن فقد شرع" فليس معنى ذلك أنه لا يجيز هذا النوع من التعامل بل خرج هذا النوع من التعامل على أنه سلم بشروطه.


(١) المهذب، للشيرازي: ١/٢٩٧
(٢) روضة الطالبين: ٤/٢٧ و ٢٨
(٣) روضة الطالبين: ٤/٢٥ - ٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>