للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال في مجمع الأنهر (١) : والاستصناع بلا أجل يصح استحسانًا فيما تعورف فيه. كخف وطست وغير ذلك من الأواني، وهو بيع، والقياس أن لا يصح لأنه بيع المعدوم، ووجه الاستحسان أن المستصنع فيه المعدوم يجعل موجودًا حكمًا، كطهارة المعذور. فنزل منزلة الإجماع للتعامل به من زمن النبي إلى يومنا هذا.. ولا يصح الاستصناع فيما لم يتعارف كالثوب، بحيث لو أمر حائكًا أن ينسج له ثيابًا بغزل من عنده، بدراهم، لم يجز، إذ لم يجر فيه التعامل، فيبقى على أصل القياس، وهو فساد بيع المعدوم. فإن شرط فيه الأجل فحينئذ يجوز بطريق السلم.

ولهذا لما ذكرت المجلة العثمانية في مادتها ٣٨٩ شرط التعامل قالت: كل شيء تعومل باستصناعه يصح فيه الاستصناع على الإطلاق، وأما ما لم يتعامل باستصناعه إذا بين فيه المدة صار سلمًا، وتعتبر فيه حينئذ شروط السلم، وإذا لم يبين فيه المدة كان من قبيل الاستصناع أيضًا.

فكانت هذه المادة يناقض آخرها أولها، إذ جعلت قسمًا مما لم يتعامل باستصناعه مما لم تبين فيه المدة استصناعًا، مع أن تطبيق شرط التعامل يوجب الحكم بالفساد (٢)

ولذلك ذكر شارح المجلة علي حيدر: إن ما جاء في آخر المادة ٣٨٩ غير موافق لما في الكتب الفقهية، لأن الاستصناع إنما يجري في البلاد التي يكون فيها التعامل به، فلا يصح في غيرها، وهو ما اتفقت عليه كتب الفقه الحنفي بموجب شرط هو أن يجري فيه التعامل، فلا يصح في غيرها.

ويظهر أن تعامل الناس يتطور وينتشر من مدينة إلى أخرى، ومن بلد إلى آخر، فلا يمكن أن نقف على ما يجري فيه التعامل عند قرن معين أو بلد معين أو بضاعة معينة، ما دامت حاجات الناس متطورة متغيرة، وإذا كان التعامل بالاستصناع في الماضي مقصورًا على بعض الحاجات فإنهم اليوم أصبحوا في أشد الحاجة إلى تعميم الاستصناع في حاجات جديدة، حتى استصناع السيارات والبواخر والأبنية.


(١) مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر، دمات أفندي: ٢/١٠٧، وكذلك بدر المنتقى بشرح الملتقى: ٢/١٠٧
(٢) درر الحكام شرح مجلة الأحكام: ١/٣٦٠

<<  <  ج: ص:  >  >>