للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: أن لا يكون فيه أجل:

وقد اختلف الحنفية في هذا الشرط: فأبو حنيفة (١) يقول بهذا الشرط لأنه يرى أنه إذا ذكر الأجل في عقد الاستصناع صار سلمًا، والأجل من شرائط السلم، مع العلم أن مراد الحنفية بالأجل عند إطلاقه هو شهر، والشهر يعتبر أقل أجل السلم.

فالذين يشترطون في الاستصناع أن لا يكون فيه أجل إنما يريدون الشهر فما فوق فإذا ذكر أجل دون الشهر فهو استصناع عند أبي حنيفة وصاحبيه، لأنه لا يصح أن يكون سلمًا.

وقد علل مذهب أبي حنيفة بأمرين:

الأمر الأول: أن السلم عقد على مبيع في الذمة مؤجل، فإذا ضرب الأجل في الاستصناع صار بمعنى السلم، ولو كانت الصيغة استصناعًا (٢) والسلم بالأجل ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، والاستصناع بالأجل ثابت في عرفهم فلا يحمل عليه (٣)

الأمر الثاني: أن التأجيل يختص بالديون، لأنه وضع لتأخير المطالبة، وتأخير المطالبة إنما يكون في عقد فيه المطالبة، وليس ذلك إلا في السلم، إذ لا دين في الاستصناع (٤)

وقال أبو يوسف ومحمد: عدم ضرب الأجل ليس بشرط، وهو استصناع على كل حال ضرب الأجل فيه أو لم يضرب، لأن اللفظ حقيقة فيه، فيحيط على مقتضاه (٥) وذلك لأن العادة جارية بضرب الأجل في الاستصناع. وإنما جاز للتعامل، لأن القصد به تعجيل العمل لا تأخير المطالبة من المستصنع، فلا يخرج عن كونه استصناعًا، بينما القصد من السلم التأجيل فيه لتأخير المطالبة.

هذا ما عبر عنه البابرتي عندما قال: أما المذكور على سبيل الاستعجال بأن قال: على أن يفرغ غدًا أو بعد غد، فلا يصير سلمًا، لأنه ذكره حينئذ للفراغ لا لتأخير المطالبة بالتسليم (٦)

وقد ذكر الهندواني قاعدة في التفرقة بين الآجال الاستعجالية والآجال الاستمهالية. فقال: إن ذكر المدة في الاستصناع: إن كان من قبل المستصنع فهو للاستعجال فلا يصير به سلمًا، وإن كان من قبل الصانع فهو سلم، لأنه يذكره على سبيل الاستمهال. وفيما إذا صار سلمًا يعتبر شرائط السلم (٧)


(١) بدائع الصنائع، للكاساني: ٥/٣
(٢) تحفة الفقهاء، للسمرقندي: ٢/٥٣٩
(٣) مجمع الأنهر، لدمات أفندي: ٢/١٠٦
(٤) المبسوط، للسرخسي: ١٢/١٤٠
(٥) مجمع الأنهر، لدمات أفندي: ٢/١٠٦
(٦) العناية، للبابرتي: ٦/٢٤٤
(٧) العناية، للبابرتي: ٦/٢٤٤

<<  <  ج: ص:  >  >>