للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستصناع في القانون الوضعي

لم يفرد القانون الوضعي مباحث خاصة بعقدي السلم والاستصناع، بل أدخلهما ضمن الأحكام العامة للبيع المطلق، إذ القانون أجاز للبائع أن يشترط تأجيل تسليم المبيع، كما أن بيع المعدوم الذي ينتظر وجوده في المستقبل جائز، لأنه في حكم الموجود ومن ذلك السلم والاستصناع.

أما الشريعة الإسلامية فقد أفردت لهما مباحث خاصة حيث أن السلم وارد بالنص أما الاستصناع فقد ثبت بالاستحسان عند الحنفية، وهو عقد له خصائص تميز بها عن غيره من العقود.

ولكن القانون الوضعي تكلم عن المقاولة بصفة تفصيلية والمقاولة في القانون الوضعي أعم من الاستصناع، لأن المقاولة كما تكون بتقديم المقاول العمل والمادة معًا وهو ما يسمى عند الحنفية بالاستصناع، كذلك تكون بتقديم الصانع العمل فقط، وهو ما يسمى في عرف الفقه بالإجارة عند عامة الفقهاء.

وقد ذكر السنهوري (١) عند حديثه عن المقاولة معايير تميز الفرع الثاني من المقاولة عن عقد العمل (الإجارة) فقال:

وتطبيقًا لهذا المعيار الأخير يكون كل من النجار والنقاش والحداد والسباك ومن إليهم مقاولًا، إذا هو تَعَاقَدَ مع صاحب العمل على صنع شيء معين يقوم بصنعه مستقلًّا عن رب العمل، ولا يخضع لإشرافه فيه، ولا يتلقى منه تعليمات، غير ما هو مذكور في العقد.

أما إذا قام بإشراف رب العمل وتحت إدارته، ويتلقى منه تعليمات يقوم بتنفيذها، فهو عقد عمل لا عقد مقاولة (٢)

وذلك لأن تعريف (عقد العمل) في القانون المدني هو الذي يتعهد فيه أحد المتعاقدين أن يعمل في خدمة الآخر وتحت إرادته وإشرافه، مقابل أجر يتعهد به المتعاقد الآخر.

وتتميز المقاولة عن البيع في القانون الوضعي، بأن الأصل في عقد المقاولة هو العمل، والبيع يقع على الملكية، فالمقاولة على العمل فقط، هي الأصل، وهي مقاولة لا شبهة فيها.

أما إذا قدم الصانع المادة مع العمل، فهي اختلاط المقاولة بعقد آخر يقع على المادة، ويكون للصانع دوران: دور البائع الذي قدم المادة، وفي هذه الحالة يكون مسؤولًا عن جودة المادة، ودور المقاول الذي قدم العمل فالمادة إنما جاءت تابعة للعمل وتكون المقاولة ملزمة للصانع يصنع الشيء المطلوب، فتقع على العمل (٣)

وهذا الرأي جعل الاستصناع عقد مقاولة على العمل يتماشى مع رأي أبي سعيد البردعي أحد فقهاء المذهب الحنفي، الذي يقول بأن الاستصناع يقع على العمل دون المادة، مع أن الرأي الصحيح عند الحنفية أن الاستصناع بيع لا إجارة (٤)


(١) الوسيط، للسنهوري، الكتاب الأول من ٧/١٢
(٢) الوسيط، للسنهوري، الكتاب الأول من: ٧/١٢
(٣) الوسيط للسنهوري، الكتاب الأول من ٧/٢٥
(٤) العناية، للبابرتي، شرح الهداية: ٦/٢٤٣

<<  <  ج: ص:  >  >>