للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإجارة المقصودة في هذا الباب المقاولة على خصوص العمل واعتبار الاستصناع عقد مقاولة واقعًا على العمل هو أحد آراء علماء القانون.

أما الرأي الثاني: فيرى أن الاستصناع (عقد المقاولة) هو بيع شيء مستقبل فهم يرون أن القصد من عقد المقاولة ليس هو العمل المكلف به الصانع، وإنما هو الشيء المصنوع، ولا يدخل في الاعتبار أن المقاول إنما تعاقد على العمل (١) وهذا الرأي يتفق مع وجهة نظر فقهاء الحنفية عند تقريرهم الاستصناع.

قال السنهوري: ولو كان المقاول قصد أن يبيع شيئًا مصنوعًا لجاز له أن يقدم لرب العمل شيئًا يكون قد صنعه قبل العقد، وهو إذا فعل وقبل منه رب العمل ذلك فإن ملكية هذا الشيء المصنوع من قبل لا تنتقل بموجب العقد الأصلي، وإنما تنتقل بموجب عقد جديد يكيف على أنه بيع لا لشيء مستقبل بل لشيء حاضر (٢)

وقد علل الكاساني كما سبق (٣) بنفس التعليل فقال: وأما إذا أتى الصانع بعين صنعها قبل العقد، ورضي بها المستصنع، فإنما جاز لا بالعقد الأول بل بعقد آخر، وهو التعاطي بتراضيهما.

الرأي الثالث: يرى أن الاستصناع يكون مقاولة وبيعًا بحسب نسبة قيمة المادة إلى قيمة العمل فإذا كانت قيمة المادة تفوق كثيرًا قيمة العمل كما إذا تعهد شخص بتوريد سيارة بعد أن يقوم فيها ببعض إصلاحات طفيفة، فالعقد بيع.

أما إذا كانت قيمة العمل تفوق كثيرًا قيمة المادة، كالرسام يورد القماش أو الورق الذي يرسم عليه، والألوان التي يرسم بها وهذه الخامات أقل بكثير من قيمة عمل الرسام، فالعقد مقاولة عمل، وبذلك أصبح هذا العقد عقدًا مختلطًا بين البيع والمقاولة.

وأما إذا تقاربت المادة والعمل، فيصبح العقد مزيجًا من بيع ومقاولة عمل، ويقع البيع على المادة وتسري أحكامه فيما يتعلق بها، وتقع المقاولة على العمل وتنطبق أحكامها عليه (٤)

ويترتب على أن العقد مزيج من البيع والمقاولة: أن الشيء المصنوع تنتقل ملكيته إلى رب العمل بمجرد تمام صنعه، فإذا استولت عليه الإدارة مثلًا كان مستحقًّا لرب العمل لا للصانع، وإذا هلك الشيء المصنوع قبل التسليم فالهلاك على الصانع، وذلك تطبيقًا لأحكام البيع، ولكن الصانع يضمن العمل الذي أنجزه ضمان المقاول، وتسري هنا أحكام المقاولة لا أحكام البيع (٥) ، ويبدو أن أصحاب هذا الرأي ابتعدوا عن معنى الاستصناع المتعارف، لأننا إذا غلبنا جانب البيع على جانب العمل فقد أهملنا كل ما يقتضيه العمل من مستلزمات، والعكس بالعكس وهذا من شأنه أن يحدث بعض الصعوبات في التطبيق عندما نهمل أحد جوانب العقد.


(١) الوسيط، للسنهوري، الكتاب الأول من ٧/٢٦
(٢) الوسيط، للسنهوري، الكتاب الأول من ٧/٢٦
(٣) بدائع الصنائع: ٥/٢
(٤) الوسيط، للسنهوري: ٧/٢٧
(٥) الوسيط، للسنهوري: ٧/٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>