للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوع الثالث: عقود الأصل فيها اللزوم ولكن في طبيعتها شيئًا من عدم اللزوم في ظروف محدودة. وجملة عقوده اثنان هما الإجارة والمزارعة.

فالإجارة مثلًا الأصل فيها اللزوم في حق المتعاقدين فيجبر الطرفان على تنفيذها غير أن فقهاءنا قرروا فيها جواز العدول والفسخ بالأعذار الطارئة، إذ يكون تنفيذ الإجارة عندئذ إهدارًا ماليًّا أو إصرارًا غير معقول. وعندئذ يلزم، المستأجر تعويض الضرر على الطرف الآخر إذا فوجئ بالفسخ بعد أن كلفه ما كلفه التهيؤ للعمل من مال ووقت أو تعطيل (١)

وقد عد مصطفى الزرقاء عقد الاستصناع عقدًا عاشرًا منفردًا عن بقية العقود المتقدمة غير اللازمة، لأن الاستصناع يعتبر في أصل المذهب الحنفي غير لازم، وأصبح بمقتضى نصوص مجلة الأحكام العثمانية لازمًا حسب المادة ٣٩٢، في حق الطرفين، منذ انعقاده (٢)

ويبدو أنه لا خلاف بين الحنفية في أن عقد الاستصناع غير لازم في مرحلة ما قبل الصنع، وكلام صاحب البدائع (٣) صريح في هذا المعنى، حيث قال: إنه عقد غير لازم قبل العمل في الجانبين جميعًا بلا خلاف، حتى كان لكل واحد منهما خيار الامتناع قبل العمل، وقد علل عدم لزوم العقد قبل العمل (٤) بأن الاستصناع جاء على خلاف القياس، فلم يشترط فيه اللزوم الذي اشترط في العقود التي جاءت على أصل القياس. وزاد في موسوعة جمال (٥) عبد الناصر تعليلًا آخر وهو أن إلزام الصانع بالمضي، فيه ضرر له من ناحية أنه إتلاف لماله في عمل المطلوب، وقد لا يرضى المستصنع، فكان له أن يفسخ ولا يمضي، أما المستصنع فلأنه قد اشترى ما لم يره فكان له الخيار في الفسخ قبل الرؤية.

ونفس هذا التعليل الأخير ذكر في الموسوعة الفقهية (٦)

وأما مجلة الأحكام العثمانية فإنها أقر في فصلها ٣٩٢ (٧) لزوم العقد مطلقا، فقالت: وإذا انعقد الاستصناع فليس لأحد العاقدين الرجوع، وإذا لم يكن المصنوع على الأوصاف المطلوبة كان المستصنع مخيرًا.

ويبدو أن ما ذهبت إليه المجلة أصبح هو المتعارف في عقود الاستصناع والمقاولات المدنية، اعتمادًا على رأي أبي يوسف، مع الملاحظ أن المذكور في كتب الفقه أن رأي أبي يوسف خاص بما إذا جاء المصنوع مغايرًا للأوصاف المشروطة. ولم يتعرض إلى لزوم العقد قبل العمل.

وقد علق مصطفى الزرقاء على هذا التعميم (٨) بأن المجلة اتخذت رأي أبي يوسف أساسًا، وتوسعت فيه بتعميم اللزوم حسب المصلحة الزمنية، وهذا ما أيدته لجنة الموسوعة الفقهية (٩) التي قالت:


(١) المدخل الفقهي العام، لمصطفى الزرقاء: ١/٤٤٨ - ٤٥٧
(٢) المدخل الفقهي العام، لمصطفى الزرقاء: ١/٤٥٦
(٣) البدائع، الكاساني: ٥/٣
(٤) البدائع، للكاساني: ٥/٣
(٥) موسوعة عبد الناصر: ٧/٩٣ - ٩٤، والموسوعة الفقهية: ٣/٣٢٩
(٦) الموسوعة الفقهية: ٣/٣٢٩
(٧) مجلة الأحكام العثمانية: ١/٣٦١
(٨) المدخل الفقهي العام، للزرقاء: ١/٤٥٧
(٩) الموسوعة الفقهية: ٣/٣٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>