للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه رواية أبي يوسف أن الصانع قد أفسد متاعه، وقطع جلده، وجاء بالعمل على الصفة المشروطة، فلو كان للمستصنع الامتناع من أخذه لكان فيه إضرار بالصانع، لأن غيره لا يشتريه بمثله.

ويظهر أن مذهب أبي يوسف هو الذي عليه عمل الناس في هذا الزمان في أكثر بلاد العالم، وهو نفس ما ذهبت إليه المجلة العثمانية، وهو ما جاءت به القوانين الوضعية وسارت عليه عقود المقاولين في كل المعاملات.

وعلى رأي أبي يوسف يمكن أن تستمر هذه العقود وتتطور وينجر من وراء ذلك أن تنشط الصناعات، وتنمو وتزدهر، وأن يقوم إنتاجها على تخطيط مدروس، حسب طلبات ملزمة للجانبين.

أما إثبات الخيار للطرفين على مذهب أبي حنيفة، فمن شأنه أن يؤدي إلى عرقلة النمو الاقتصادي، وقد يصبح حجر عثرة في تطور عجلة الإنتاج، مهما التمس الفقهاء من مبررات لتأييد مذهبه.

وقد علل صاحب بدائع الصنائع (١) رواية أبي حنيفة التي تعطي التخيير للجانبين بأنها: دفع الضرر عن الصانع، وأنه واجب.

وجاء في فتح القدير (٢) : أما بعدما رآه المستصنع، فالأصح أنه لا خيار للصانع، بل إذا قبله المستصنع أجبر على دفعه، لأنه بالآخرة بائع.

وبمثل هذا المعنى صرح صاحب العناية (٣) فقال: ومن هو كذلك فله الخيار كما تقدم، ولا خيار للصانع، كذا ذكر في المبسوط فيجبر على العمل لأنه بائع باع من لم يره.

ومن هو كذلك لا خيار له وهو الأصح، بناء على جعله بيعًا لا عدة.

والثاني: وهو أن يكون العمل غير موافق للمواصفات التي وقع التعاقد عليها، فالمستصنع غير ملزم بالاستلام، ولا هو ملزم بدفع الثمن، لأن العقد إنما كان تلبية لرغبة المستصنع، ودفعًا لحاجته، لثبوت خيار فوات الوصف قال في شرح مجلة الأحكام: وإذا كان المصنوع غير موافق للأوصاف المطلوبة.

فإن كان النقص الموجود فيه من قبيل العيب فللمستصنع خيار العيب.

وإن كان من قبيل الوصف، فله خيار الوصف، إن شاء قبله وإن شاء رده، ومتى قبله بعد رؤيته فليس له رده (٤)


(١) بدائع الصنائع، للكاساني: ٥/٤
(٢) فتح القدير، للكمال بن الهمام: ٦/٢٤٤
(٣) العناية، للبابرتي: ٦/٢٤٤
(٤) درر الحكام شرح مجلة الأحكام: ١/٣٢١

<<  <  ج: ص:  >  >>