للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خيار الوصف

قدمت الحديث عن خيار الرؤية لما للاستصناع من مساس بهذا الخيار، لأن عدم الرؤية في هذا العقد يعتبر مانعًا يمنع تمام الحكم، إذ الرؤية تمكن المستصنع من قبول المتعاقد عليه أورده عند تقديمه إليه، سواءً كان مطابقًا للأوصاف المطلوبة أو لا، في مشهور المذهب الحنفي، وكما للاستصناع مساس بخيار الرؤية فله مساس قوي أيضًا بخيار الوصف.

وخيار الوصف هو خيار ثان يثبت للمستصنع إذا قدم الصانع المصنوع المتعاقد عليه. وقد فات وصف مرغوب فيه اشترطه المستصنع عند العقد (١) ، وغياب الوصف يمكن المستصنع من الخيار بين أن يقبل المصنوع بكل الثمن المسمى أو أن يفسخ البيع، وهو المسمى بخيار الوصف، وهو غير خيار الرؤية وإنما جاز له فسخ البيع لأن الوصف أو الأوصاف التي اشترطها المستصنع مرغوب فيها، فإذا فاتت أوجبت التخيير، لأن المشتري ما رضي به دونه، فصار كفوات وصف السلامة في خيار العيب.

وأبو يوسف الذي لا يثبت للمستصنع خيار الرؤية، إذا جاء المصنوع مستكملًا للأوصاف، فإنه يثبت خيار الوصف إذا جاء المصنوع فاقدًا للأوصاف التي وقع الاتفاق عليها.

وأما سبب أخذه بجميع الثمن في رأي الحنفية فهو: لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن، لكونها تابعة في العقد ويعده الشافعية والحنابلة داخلًا في خيار العيب وله حكمه.

وشروط خيار الوصف ثلاثة:

أولًا: أن يكون الوصف المشروط مباحًا شرعًا. فإذا كان حرامًا لم يصح.

ثانيًا: أن يكون الوصف مرغوبًا فيه عادةً. فإذا لم يكن مرغوبًا فيه في العرف ألغي الشرط وصح البيع ولا خيار.

ثالثًا: ألا يكون تحديد الوصف المرغوب فيه مؤديًا إلى جهالة مفضية إلى المنازعة، فإن فعل فسد البيع والشرط كأن يشترط في البقرة الحلوب أن تحلب كذا رطلًا يوميًّا، فهذا شرط فاسد لأنه لا يمكن ضبطه.

أحكام خيار الوصف:

١- يورث خيار الوصف فلو مات المشتري الذي له خيار الوصف فظهر المبيع خاليًا من ذلك الوصف، كان للوارث حق الفسخ.

٢- إذا تصرف المشتري أو المستصنع الذي له خيار الوصف تصرف المالك، بطل خياره، لأن تصرفه مشعر بالرضا.

٣- إذا هلك المبيع في يد المشتري أو تعيب في يده فله الرجوع على البائع بمقدار نقص المبيع بسبب فوات الوصف المرغوب فيه، ويعرف ذلك بتقويم المبيع مع الوصف وبدون الوصف، ويضمن البائع الفرق بينهما (٢) ، ويظهر أن المستصنع إذا بنى في أرض المشتري وأخل بأوصاف لا يمكن تداركها يعامل نفس معاملة هلاك المبيع أو تعيبه في يد المشتري، لأنه يتعذر على المستصنع في هذه الحالة أن يفسخ البيع، ما دامت الأرض أرضه، ورد المصنوع مستحيل، كما يمكن اعتبار الإخلال بالوصف عيبًا من التغرير بالوصف. ومذهب أبي حنيفة لا يوجب إرجاع المعيب بل يرجع المشتري بنقصان قيمته إن كانت أنقص مما اشتراه به (٣) .


(١) رد المحتار (ابن عابدين) : ٤/٤٩، وفتح القدير: ٥/٥٢٨، ومجمع الأنهر: ٢/٢٣
(٢) الفقه الإسلامي وأدلته: ٤/٥٢٢
(٣) مدخل الفقه الإسلامي: ١/٣٨٣

<<  <  ج: ص:  >  >>