لقد ذكر في أول البحث أن المشهور عند الحنفية أن عقد الاستصناع عقد غير لازم، وأن أي خلل يطرأ يمنع الصانع من تنفيذه ما تعاقد عليه، فلكل واحد من الطرفين الخيار في فسخ العقد.
أما المتأخرون من الحنفية فقد اعتمدوا القول الذي يقول بلزوم العقد فإذا ظهرت موانع خارجية عن إرادة الصانع، كحرق المصنع، أو غرق السفينة، أو قطع علاقات مع بعض الدول الموردة للمادة الخام المطلوب صنعها، فالمستصنع هنا بالخيار إن شاء انتظر الصانع حتى يتمكن من الإنجاز، وإن شاء فسخ العقد.
أما إذا كانت الموانع ناشئة عن إرادة الصانع، كسوء التنظيم والعجز عن إدارة الحضيرة أو التقاعس في احترام المواعيد فإن هذا يسبب تأخيرًا في إنجاز المشروع وضررا ماديًّا يلحق المستصنع.
يقول مصطفى الزرقاء:(وقد ازدادت قيمة الزمن في الحركة الاقتصادية، فأصبح تأخر أحد المتعاقدين أو امتناعه عن تنفيذ التزاماته في مواعيدها المشروطة مضرًّا بالطرف الآخر في وقته وماله أكثر مما قبل) .
فلو أن متعهدًا بتقديم المواد الصناعية إلى صاحب معمل تأخر عن تسليمها إليه في الموعد الضروري لتعطل المعمل وعماله، وكذا لو تأخر الصانع عن القيام بعمله في وقته لتضرر المستصنع بخسارة وقد تكون فادحة.. ولا يعوض هذا الضرر القضاء على الصانع بتنفيذ التزامه الأصلي، لأن هذا القضاء إنما يضمن أصل الحق لصاحبه وليس فيه جبر لضرر التعطل أو الخسارة، ذلك الضرر الذي يلحقه من جراء تأخر خصمه عن وفاء الالتزام في حينه تهاونًا منه أو امتناعًا.
وأصبح ما ضاعف احتياج الناس إلى أن يشترطوا في عقودهم ضمانات مالية على الطرف الذي يتأخر عن تنفيذ التزامه في حينه. ومثل هذا الشرط يسمى في اصطلاح الفقه الأجنبي الشرط الجزائي (١)
وأصبح الشرط الجزائي متعارفًا بين الصناع وفي كل المقاولات وحافزًا قويًّا يدفع الصانع على احترام المواعيد وخير معين على تنظيم سير الحركة الاقتصادية في كل بلد.