للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفهوم الشرط الجزائي في القانون المدني:

الشرط الجزائي: هو اتفاق يقصد منه المتعاقدان سلفًا التعويض الذي يستحقه الدائن إذا لم ينفذ المدين التزامه، أو تأخر في تنفيذه. (١)

وقد فسر الزرقاء الشرط الجزائي بأنه اتفاق الناس على أن يشترطوا في عقودهم ضمانات مالية على الطرف الذي يتأخر عن تنفيذ التزامه في حينه (٢)

موقف الشريعة الإسلامية من الشرط الجزائي:

لقد جاءت في الشريعة الإسلامية نصوص من الكتاب والسنة في حرية التعاقد، وفي رضائيته المطلقة.

١- أما الكتاب: قوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} . (٣)

وقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (٤)

فهذه النصوص وأمثالها تفيد أن الأصل في استحقاق مال الغير، أو استحلال شيء من حقوقه، إنما هو رضا صاحبه. إما على سبيل التجارة والتبادل، أو على سبيل المنحة والتنازل عن طيب نفس واختيار (٥) .

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (٦)

وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} (٧)

فهذه النصوص وأمثالها تفيد أن عقد الإنسان وتعهده الذي باشره بإرادته الحرة ملزم له بنتائجه، كي تتولد الثقة والاطمئنان إلى نتائج التعامل الاقتصادية (٨)

٢- أما السنة: فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المسلمون على شروطهم" (٩) وقال أيضًا: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل (١٠) . أي كل شرط ليس في حكم الله وشرعه فهو باطل، وذلك بأن يكون الشرط منافيًا لقواعد الشريعة أو مقاصدها.

وثبت أيضًا في السنة العملية أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى في السفر من جابر بن عبد الله بعيرًا وشرط لجابر ظهره إلى المدينة أي أنه اشترط له حق ركوبه بعد البيع حتى يصل عليه إلى المدينة (١١) . قال ابن شبرمة: البيع جائز والشرط جائز (١٢) وما روي في صحيح البخاري بسند عن ابن سيرين أن رجلًا قال لكريه: (أدخل ركابك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج فقال شريح: من شرط على نفسه طائعًا غير مكره فهو عليه. وقال أيوب عن ابن سيرين أن رجلًا باع طعامًا وقال: إن لم آتك يوم الأربعاء فليس بيني وبينك بيع، فلم يجئ فقال شريح للمشتري: أنت أخلفت، فقضى عليه (١٣)

وهذه كلها نصوص تدل دلالة واضحة على أن ما أطلقنا عليه شرطًا جزائيًّا وهو الذي يجري اشتراطه في العقود هو شرط صحيح يجب الأخذ به ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام به.


(١) مجلة البحوث الإسلامية، المجلد ١، العدد ٢: ص٦٢
(٢) المدخل الفقهي العام الجزء الثاني: ص٧١٤
(٣) سورة النساء: الآية ٢٩
(٤) سورة النساء: الآية ٤
(٥) المخل الفقهي العام: ١/٤٦٧
(٦) سورة المائدة: الآية ١
(٧) سورة الإسراء: الآية ٣٤
(٨) المدخل الفقهي العام: ١/٤٦٨
(٩) رواه أبو داود والحاكم في المستدرك، وأحمد في البيع ورمز السيوطي في الجامع الصغير إلى صحته. وقد حسنه الترمذي وضعفه النسائي، وروي بطرق أخرى: المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق من ذلك.
(١٠) حديث صحيح أخرجه البزار في مسنده، والطبراني في الكبير كلاهما عن ابن عباس واعتمده الفقهاء
(١١) أخرجه الطبراني في معجمه الوسيط
(١٢) فتح القدير ٦/٧٦
(١٣) صحيح البخاري مع فتح الباري: ٥/٢٦٢

<<  <  ج: ص:  >  >>