للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* المطلب الثالث: الفرق بين العقد والوعد:

هناك فرق كبير بين العقد والوعد عند من يقول بعدم القضاء بالوعد، فمن يقول بأن الاستصناع عقد يرتب عليه الأثر من حيث اللزوم، ومن ثم يرتب على ذلك الضمان وإلى هذا ذهب بعض الحنفية والمالكية في بعض أقوالهم.

وأما من يقول بأن الوعد غير ملزم فلا يرتب عليه من الآثار غير أن على الواعدين الإثم في عدم الوفاء بالوعد.

من المعلوم أن الذين جعلوا الاستصناع عقدًا مستقلًّا هم الحنفية، فجعلوا له أركانًا وشروطًا تميزه عن غيره من العقود، وقد قسمت الكلام في هذا المطلب إلى فرعين.

الفرع الأول: في قول من اعتبر الاستصناع وعدًا:

يرى الحاكم الشهيد والصفار ومحمد بن سلمة وصاحب المنثور أنه مجرد مواعدة وليس بعقد وأنه ينعقد بالمعاطاة إذا جاء به مفروغًا منه بعد ذلك (١) ، جاء في المبسوط: (وكان الحاكم الشهيد يقول: الاستصناع مواعدة وإنما ينعقد العقد بالتعاطي إذا جاء به مفروغًا عنه) (٢)

وقد فصل ابن عابدين في لزوم العقد وجوازه حسب المراحل التي يمر بها حيث قال:

(وأما صفته: فهي أنه عقد غير لازم قبل العمل من الجانبين بلا خلاف، حتى كان لكل واحد منهما خيار الامتناع عن العمل كالبيع بالخيار للمتابيعين فإن لكل منهما الفسخ، وأما بعد الفراغ من العمل قبل أن يراه المستصنع فكذلك حتى كان للصانع أن يبيعه ممن شاء، وأما إذا أحضره الصانع على الصفة المشروطة سقط خياره وللمستصنع الخيار هذا جواب ظاهر الرواية، وروي عنه ثبوته لهما وعن الثاني عدمه لهما والصحيح الأول) (٣)

وقد أيدوا وجهة نظرهم بما يلي:

١- قالوا: إن الصانع له ألا يعمل وهذا لا يكون في العقود، إذ العقود ملزمة لمن دخل فيها، وذلك بخلاف السلم الذي يجبر فيه المسلم إليه بما التزم به.

٢- إن المستصنع له الحق في عدم قبول ما يأتي به الصانع وله الرجوع أيضًا قبل تمام الصناعة أو رؤيتها وهذا يدل على أنه وعد لا عقد (٤)

جاء في حاشية رد المحتار: (ولكل منهما الامتناع عن العمل قبل العمل بالاتفاق) (٥)


(١) السيواسي، فتح القدير: ٥/٣٥٥، والسرخسي، المبسوط: ١٢/١٣٩، وابن عابدين: ٥/٢٤
(٢) السرخسي: ١٢/١٣٩
(٣) حاشية رد المحتار: ٥/٢٢٤، وانظر الكاساني، بدائع الصنائع: ٦/٢٦٧٩، والسيواسي، فتح القدير: ٥/٣٥٥، والموسوعة الفقهية: ٣/٣٢٦ - ٣٢٧
(٤) السيواسي، فتح القدير: ٥/٣٥٥، وانظر السرخسي، المبسوط: ١٢/١٣٩، والموسوعة الفقهية: ٣/٣٢٧
(٥) ابن عابدين: ٥/٢٢٤

<<  <  ج: ص:  >  >>