للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ما يرد بأن الوصف قد يجعل الموصوف عينًا فيناقش بأن الوصف قد يكون لشيءٍ موجود فإذا وصف الموجود صيره عينًا أما في الاستصناع فالمستصنع معدوم ووصف المعدوم لا يصيره عينًا وإلا لصار المسلم فيه بعد الوصف عينًا ولا أعلم من قال بأن الوصف في المسلم فيه يصيره عينًا. وما وجد من فروق بين الاستصناع والسلم في الشروط لا يؤثر في تعلق كل منهما بالذمة حيث أنه من المعلوم أن الوصف يتعلق أحيانًا بعين إن لم تكن العين موجودة كما في الاستصناع وإذا كان الشيء معدومًا فهو دين. ثم لو عدنا إلى تعريف الاستصناع لغة وهو طلب الصنعة وطلب الصنعة يكون لشيء مستقبل لا لشيء موجود.

وأيضًا يعتبر على قولهم بأن المعقود عليه عين فيقال: إن المصنوع غير موجود في ملك البائع وبيع ما لم يملكه البائع إذا كان عينًا غير صحيح لما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبع ما ليس عندك" (١) ، أي ما ليس في ملكك وهذا في بيوع الأعيان.

أما الدين - المتعلق بالذمة - فيجوز بيعه وهذا مقتضى عقد السلم، فإنه بيع شيء غير مملوك وقت العقد.

ثم لو سلمنا أن عقد الاستصناع على عين في بعض صوره لقلنا: إنه موجود على غير الصفة المطلوبة بالاستصناع كأن توجد المادة فقط والمعقود عليه المادة مصنعة.

ثم هذا في صور قليلة بل قد تكاد تكون نادرة في عقود الاستصناع والغالب أن المادة لا تعين وأحيانًا لا تكون موجودة وقت العقد بل توصف وصفًا تامًّا ينفي الجهالة ولا توجد إلا بعد العقد وبهذا الوصف تتعلق بالذمة وما تعلق بالذمة فهو الدين لا العين.

وهذا ما سيتم مناقشته وعرضه في المبحث الآتي عند عرض آراء الفقهاء في الاستصناع واعتبارهم له وما سأذكره من تكييف له وبالله التوفيق.


(١) الترمذي، الجامع الصحيح: ٣/٥٣٤، والألباني، إرواء الغليل: ٥/١٣٢

<<  <  ج: ص:  >  >>