للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناقشة أدلة الحنفية:

١- قد يرد على ما ذكروه من أن النبي صلى الله عليه وسلم استصنع خاتمًا من ذهب أولًا ثم اصطناعه الفضة بعد ذلك واتباع الصحابة له في ذلك احتمالان:

الاحتمال الأول: أنه لما كان من هديه صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع الدين بالدين يستحيل أن يطلب استصناع شيء ولا يدفع ثمنه في المجلس فيكون استصناعًا بشرط السلم وإذا كان الاستصناع بشرط السلم جاز عند الجميع.

ولكن قد يرد على هذا الاعتراض بأنه لو دفع الثمن لنقل ذلك ولم نجد أثرًا في ذلك فيبقى الدليل محتملًا فيقال حينئذ: (النهي عن بيع الدين بالدين وما عليه من الإجماع عام ولعل استصناعه صلى الله عليه وسلم واستصناع صحابته وما عليه الإجماع العملي الذي لم ينكر مخصص لذلك) .

الاحتمال الثاني: قد يقال: إن احتمال إتيان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته بالمادة المطلوبة صناعتها من عندهم وارد وعلى ذلك يكون العقد إجارة لا استصناعًا.

ولكن يرد هذا بأنه يبعد أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته بذلك من عندهم ولا ينقل ذلك حيث نقل ما هو أقل أهمية من هذا.

٢- أما استدلالهم باستصناعه صلى الله عليه وسلم المنبر فقد اعترض عليه بما ورد في صحيح البخاري أيضًا (أن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ألا أجعل لك شيئًا تقعد عليه؟ فإن لي غلامًا نجارًا قال: "إن شئت" فعملت له المنبر) (١)

ففي هذه الرواية أنها ابتدأت بالعرض تبرعًا منها وفي حديث سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أرسل إليها يطلب ذلك.

قال ابن حجر: (أجاب ابن بطال باحتمال أن تكون المرأة ابتدأت بالسؤال متبرعة بذلك فلما حصل لها القبول أمكن أن يبطئ الغلام بعمله فأرسل يستنجزها إتمامه لعلمه بطيب نفسها بما بذلته ويمكن إرساله إليها ليعرفها بصفة ما يصنعه الغلام من الأعواد وأن يكون ذلك منبرًا.

ويحتمل أنه لما فوض إليها الأمر بقوله لها: (إن شئت كان ذلك سبب البطء لا أن الغلام كان شرع وأبطأ ولا أنه جهل الصفة وهذا أوجه الأوجه في نظري) (٢)


(١) الجامع الصحيح: ١/٥٤٣ و٥٤٤، ٤/٣١٩
(٢) ابن حجر، فتح الباري: ١/٥٤٤

<<  <  ج: ص:  >  >>