للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ ـ أما الاستدلال بالاستحسان فقد يعترض عليه بما ورد عن الشافعي رضي الله عنه: (من استحسن فقد شرع) أي وضع نفسه شرعًا من قبل نفسه (١) وقوله: (أفرأيت إذا قال الحاكم والمفتي في النازلة: ليس فيها نص خبر ولا قياس، وقال: استحسن فلا بد أن يزعم أن جائزًا لغيره أن يستحسن خلافه فيقول كل حاكم في بلد ومفت بما يستحسن، فيقال في الشيء الواحد بضروب من الحكم والفتيا) (٢)

ولكن هذا الاعتراض يناقش بما ذكره الخلاف حيث قال: (إن المختلفين في الاستحسان لم يحرروا موضع النزاع واختلافهم هو اختلاف ظاهري لفظي لا حقيقي) (٣) وقد أوضح الشابي قاعدة الاستحسان أوفى توضيح بقوله: (هو في مذهب مالك الأخذ بمصلحة جزئية في مقابلة دليل كلي ومقتضاه الرجوع إلى تقديم الاستدلال المرسل على القياس فإن من استحسن لم يرجع إلى مجرد ذوقه وتشهيه وإنما رجع إلى ما علم من قصد الشارع في الجملة في أمثال تلك الأشياء المفروضة كالمسائل التي يقتضي القياس فيها أمرًا إلا أن ذلك الأمر يؤدي إلى فوت مصلحة من جهة أخرى أو جلب مفسدة كذلك وكثير ما يتفق هذا في الأصل الضروري مع الحاجي والحاجي مع التكميلي فيكون إجراء القياس مطلقًا في الضروري يؤدي إلى حرج ومشقة في بعض موارده فيستثنى موضع الحرج وكذلك في الحاجي مع التكميلي أو الضروري مع التكميلي وهو ظاهر وله في الشرع أمثلة) (٤)

وعلى ذلك يكون الاستصناع جائزًا وقد عدل فيه عن مثل ما حكم به في نظائره إلى خلافه لوجه هو أقوى (٥)

والحق أنه لا يوجد في الاستحسان ما يصلح محلًا للنزاع إذ ليس النزاع في التسمية لأنه اصطلاح (٦)

ولذلك نقل عن الشافعي أنه قال بالاستحسان في عدة مواضع مثل التحليف على المصحف والخط والكتابة (٧) وقال: (ولا يفتي بالاستحسان إذا لم يكن الاستحسان واجبًا) (٨)


(١) المحلى، شرح جمع الجوامع: ٢/٣٥٣
(٢) الشافعي، الأم: ٧/٢٧٣، وانظر الرسالة: ٦٩ و ٧٠
(٣) مصادر التشريع الإسلامي: ص٨١
(٤) الموافقات: ٤/١١٦ و ١١٧، وانظر ابن قدامة، روضة الناظر: ٥/٨
(٥) انظر التفتازاني، التلويح: ٢/٨١، وانظر ابن قدامة، روضة الناظر: ص ٨٥
(٦) التفتازاني، التلويح: ٢/٨
(٧) السبكي، جمع الجوامع: ٢/٣٥٤
(٨) الشافعي، الأم: ٧/٢٧٠ و ٢٧١

<<  <  ج: ص:  >  >>